الأهرام
د.جهاد عودة
البريكس والتوازن الجديد للأمن المصرى
توازن القوى ميكانيزم يشبه بشكل كبير مبدأ أن اللغة تخلق العميان، بمعنى أن طريقة صياغة هياكل القوة الدولية تحدد ما هو مسموح للدولة فى العالم من قوة بكل أشكالها. العالم الآن فى مساره العام متعدد القوى ومتعدد القدرات ومتعدد مستويات القوة ومتعدد الهياكل. الجديد فى عالم اليوم عدم تناسب بين كل هذه المتعددات بعضها مع بعض، بمعنى أن القوى الاقتصادية ليست بالضرورة تتناسب مع القوه المالية أو القوة التكنولوجية أو القوة العسكرية أو القوة السكانية أو الروحية أو القوى الفردية للمواطن.

وفق هذا المبدا اتخذت مصر قرارها بالذهاب إلى البريكس فى مدينة شنغهاى الصينية. حددت البريكس غايتها الأولى فى تمويل البنى التحتية فى بلدان الدول النامية. يقدم البريكس للعالم كياناً اقتصادياً جديداً يناهض سياسة القطب الواحد المالي.

يوم الثلاثاء الماضى تم الاحتفال ببنك التنمية الجديد، التابع لمجموعة بريكس، الذى يعمل على إنهاء هيمنة صندوق النقد والبنك الدوليين على مقدرات العالم الاقتصادية، ووقف تسخيرها وتطويعها واستخدامها لمصلحة قوى بعينها مسيطرة على هاتين المؤسستين، دون غيرها من بقية دول العالم. بعبارة أخرى البريكس منظمة مالية عالمية تسعى لأن تناطح الصندوق والبنك الدوليين اللذين كانا السبب فى الكثير من أزمات العالم الثالث. والهدف للبريكس هو إيجاد تكتل مالى جيو استراتيجى لإقامة عالم متعدد الأقطاب.

التحديات الكبرى التى تواجه مجموعة بريكس تتمثل فى الاختلاف فى السياسات الاقتصادية التى تنتهجها البلدان المشاركة فى المجموعة، إلى جانب التباينات الثقافية والتاريخية والسياسات المالية التى تتبعها كل دولة على حدة، وتداخل أنظمة اقتصادية عدة ذات أحجام متفاوتة وأسعار عملات متفاوتة فى نظام اقتصادى واحد. هناك تحدٍ آخر تحدث عنه الرئيس بوتين شخصيا، يتمثل فى رغبة المجموعة وضع استراتيجية للتعاون الاقتصادى بين هذه الدول الخمس، على أن يكون من شأنها تهيئة الظروف الملائمة لتسريع التطور الاقتصادى وتعزيز قدرات هذه الدول على المنافسة، وتوسيع العلاقات التجارية وتنويعها، وتأمين التفاعل من أجل النمو الابتكاري.

لتحقيق الإشباع الاستثمارى عمل المجتمعون على تصميم عدد من المشاريع المستقبلية للتعاون، إلى جانب توحيد المواقف السياسية تجاه القضايا الدولية والملفات المطروحة. علاوة على عدد من العوامل الاقتصادية الأخرى أهمها: وضع شروط ائتمانية أكثر تيسيرا على بلدان العالم الثالث والدول النامية. وتدويل العملات المحلية وإجراء تجارة بينية بعيدة عن الدولار الأمريكى فيما بينها. وإمكانية توفير قروض آجلة وميسرة لبلدان العالم الثالث والدول النامية. وتقديم تسهيلات ائتمانية أفضل من تلك المفروضة من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين. وتسريع التكامل الاقتصادى بين الدول الخمس المنضوية فى عضوية المجموعة. وتحقيق معدلات نمو أسرع للبلدان المنضوية فى عضوية المجموعة. من الأهداف العملية للمجموعة: رفض التجسس الإلكترونى الذى تقوده الولايات المتحدة واعتباره نوعا من الإرهاب. وتسعى دول بريكس إلى إنشاء كابل إنترنت خاص بها لتفادى عمليات التجسس الأمريكية. والسعى لخفض التعاملات الدولارية بين الدول الخمس بعضها بعضا. وهناك مساع يقودها الرئيس بوتين لإنشاء اتحاد للطاقة بين الدول الخمس. ورغبة فى تحقيق اندماج بين سوق الاتحاد الأوراسى وأسواق أمريكا اللاتينية. وثمة مساع مشتركة بين الدول الخمس للتصدى للأمراض المعدية، خاصة فى إفريقيا.

قال الرئيس عبدالفتاح السيسى إن البرنامج الإصلاحى ذات تكلفة اجتماعية عالية، ولفت إلى أن تأخر اتخاذه من قبل كان له تأثير على دعائم الاقتصاد. وأشار إلى أن الشعب المصرى تفهم أعباء الإصلاح الاقتصادي. وأنه فيما يتعلق بمنظومة الدعم، قامت مصر بدراسة أفضل النماذج المشابهة لنا، بما فى ذلك تجارب دول أعضاء فى قمة «البريكس». وفيما يتعلق بمنظومة الدعم تمت دراسة النموذج البرازيلى فى التعامل مع التضخم، كذلك تجربة الهند فى استخدام التكنولوجيا فى حصر المستفيدين من الدعم. كما أن مصر قامت بتعديل السياسات النقدية عن طريق وجود سعر مرن للعملات، وتحرير سعر الصرف، ما انعكس على جذب الاستثمارات، ومحاصرة السوق السوداء للعملة، وزيادة تنافسية الصادرات.

هذه المشاركة تفتح ملف تفعيل اتفاقية «ميركوسور» بين مصر والبرازيل وهى من ضمن الدول التى تجمعها مع مصر اتفاقية تجارية مهمة، ولابد أن يتم التطرق من خلال وزير التجارة إلى التباحث مع الوفد البرازيلى لإدخال اتفاقية الميركوسور حيز التنفيذ بعد موافقة البرلمان البرازيلى على الاتفاقية، لأنها ستفتح لمصر سوقا تصديرية كبيرة جدا وهى السوق البرازيلية. قمة «البريكس» فرصة مناسبة جدا لفتح ملف التوسعات الصينية فى المدينة الصناعية الصينية فى مصر والتى تعتبر المدينة الأولى للصين فى إفريقيا، إلى جانب حسم مفاوضات أى توسعات جديدة فى تلك المدينة. وتعتبر القمة فرصة مواتية جدا للوجود وعقد لقاءات للترويج لفرص الاستثمار، خاصة فى محور قناة السويس. مصر تسعى لاختراق عالمى يسهم فى تعزيز الأمن القومي، ولابد لمصر الحساب الجيد لمخاطر هذا الاختراق.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف