المساء
جلاء جاب اللة
محاكاة المشاعر المقدسة
خلال موسم الحج كثرت النكات عن الحجاج المصريين وتم تداولها بخفة دم شديدة علي مواقع التواصل الاجتاعي وبطرق عديدة.. وبعيداً عن النكتة وخفة الدم المصرية فإن كثيراً من المواقف المضحكة التي يقع فيها بعض الحجاج حقيقية وليست من خيال خفة الدم.. وقد شاهد معظم الحجاج المصريين بعض هذه المواقف المصرية خلال أداء المناسك.. لذلك كانت المقارنة بين حجاجنا وحجاج ماليزيا وأندونيسيا ودول شرق آسيا المنظمين والملتزمين بأداء المناسك وخلال المشاعر المقدسة.. وقد شدني هذا التباين عندما كنت أؤدي فريضة الحج منذ أكثر من عشر سنوات وكتبت وقتها أطالب بتدريب الحجاج المصريين علي المناسك قبل السفر إلي السعودية سواء للحج أو العمرة.. ومعرفة كل ما عليه من فروض وواجبات وسنن وما له من حقوق خلال أداء المناسك.. وبعد عدة سنوات وعندما أديت الفريضة مرة أخري كتبت نفس الكلام.. وطالبت بإنشاء مكان للتدريب يحاكي المشاعر المقدسة وأطلقت عليه "مركز تدريب الحج والعمرة" وقدمت تصوراً كاملاً عن هذا المشروع لأكثر من مسئول مطالبا بأن تقوم "شركة الجمهورية للاستثمار" التابعة لمؤسستنا العريقة بإنشاء هذا المركز بالتعاون مع وزارات السياحة والتضامن والداخلية المسئولة عن تنظيم الحج للمصريين وتحدثت بذلك أيضا مع الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف الذي كان رئيساً لبعثة الحج منذ ثلاثة أعوام وكررت الحديث نفسه مع الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط السابق والذي كان رئيساً لبعثة الحج العام قبل الماضي وقد تحمس الوزيران بالفعل للمشروع لكن كانت المشكلة في الإجراءات وتخصيص الأرض ثم بعض التخوفات المشروعة دينياً حيث قد يساء فهم المعني والمغزي للمركز أو يستغله البعض ضد الهدف الأسمي الذي نسعي إليه.
منذ أيام تكرر الحوار حول أخطاء وممارسات بعض الحجاج المصريين في المشاعر المقدسة فتكرر نفس المطلب لكنه هذه المرة مع الجمعية المصرية لخبراء السياحة العرب وقد تحمس خبراء السياحة للفكرة لكنهم أبدوا بعض التخوفات التي تحتاج رؤية دينية أو فتوي دينية من فضيلة مفتي الديار المصرية أو فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.. لأن هناك تخوفاً لدي البعض من سوء الفهم.
أقصد بمركز التدريب أن يكون هناك مكان لمحاكاة المشاعر المقدسة بداية من الطواف حول الكعبة ثم السعي بين الصفا والمروة ثم المبيت بمني يوم التروية ثم الصعود لعرفة والوقوف بعرفة حتي مغرب يوم الوقفة ثم النزول إلي مزدلفة ثم المجيء إلي مني.. بتفاصيل تامة لكل مشعر من المشاعر الحرام بهدف أن يتعلم الحاج ويفهم المشاعر بشكل كامل قبل أن يسافر لأداء مناسك الحج والعمرة.
التخوف الأول لدي الناس وهو تخوف مقبول أن يفهم بعض العوام أن هذا المركز التدريبي بديل عن المناسك.. أو أن يتم استغلال هذا المركز للإساءة إلي المشاعر المقدسة.. ووصلت التخوفات لدي البعض من أن يعتبره بعض العلماء خاصة من السلفيين الوهابيين تعديا علي المشاعر المقدسة واقلال من حرمتها في حين أن الهدف الأساسي هو تعليم الناس تلك المشاعر سعياً إلي الهدف الأصلي وهو "تعظيم المشاعر والمناسك" فالعلم بالشيء يجعلك فاهماً وشاعراً ومليئاً بروحانيات هذا الأمر علي عكس الفهم الخطأ أو الفهم المعاكس.
البعض يخشي أيضا من استغلال الإعلام المضاد لهذا المركز ليبدو كأنه مساندة للفكر الشيعي الإيراني الذي يطالب تارة بنقل الأماكن المقدسة وتارة أخري بتدويلها.. وهو تخوف متطرف وزائد عن الحد لكنه علي أي حال تخوف يحتاج إلي مناقشة.
ردي علي كل هذه التخوفات هو أن محاكاة المشاعر المقدسة وإن كانت بنفس الشكل حتي يعي الحاج كل التفاصيل إلا أن وجودها في مكان واحد ينفي أنها شبه الأصل.. لأن عرفات ومزدلفة ومني.. بل والصفا والمروة ليست متقاربة أو في مكان واحد علي عكس ما سيكون في مركز التدريب.. كما أن المدربين وهم من شيوخ الأزهر الأفاضل سيحرصون في كل لحظة علي اثبات وتأكيد أنها محاكاة وتدريب للمشاعر والمناسك المقدسة في الأراضي الحجازية.
عندما يكون الهدف ساميا والرغبة صادقة فإن الله سيكون معك بشرط أن تسير علي الطريق المستقيم.. أما إذا أصبحنا أسري لكل تخوف وتشكيك فلن نتقدم للأمام خطوة واحدة.
إن حوالي مليون معتمر سنوياً.. وحوالي مائة ألف حاج سنوياً.. وملايين من الشباب الذين يريدون معرفة المناسك والمشاعر ويتعرفون علي الفريضة الخامسة في الإسلام في حاجة حقيقية لمثل هذا المركز وتلك المحاكاة.
في شرق آسيا يتدربون علي الحج والعمرة ويتعلمون فن المعاملة خلال أداء المناسك ولا يقتصر التدريب علي الأمور الدينية بل يشمل المعايشة الحياتية باعتبار أن الدين في المعاملة.. وأن المعاملات جزء أساسي ورئيسي في الدين الإسلامي.. وعلينا أن نجعل من مثل هذا المركز التدريبي وسيلة لتعليم من يرغب فن المعاملات الإسلامية وغرس القيم والأخلاق التي يدعو إليها ويرغب فيها ديننا الحنيف وستظهر أول ما تظهر في مناسك الحج.
الحج وإن كان لمن استطاع إليه سبيلا إلا أنه يضم كل فروض الإسلام بداية من التشهد إلي الصلاة إلي الصوم إلي الزكاة بل ان الصلاة في المسجد الحرام تعادل مائة ألف فيما عداه.. وبعيداً عن الفروض فإن المعاملة الإسلامية هي الأساس فلا جدال ولا فسوق ولا ظلم ولا تغابن ولا إساءة لأحد ويكون التسامح وعدم الغضب والرضا هو المنهج الذي يسير عليه الحاج أو المعتمر ناهيك عن العدالة والمساواة والتعاون علي البر والتقوي.. حتي إماطة الأذي عن الطريق وهو أدني درجة من درجات الإيمان.
مطلوب دراسة سريعة لانشاء هذا المركز حتي نحقق محاكاة حقيقية للمشاعر المقدسة وطبعا لن تتوقف النكات بل سيكون هناك نكات علي المحاكاة.. والله أعلم.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف