محمد صابرين
فوائد الفوضى وسر التمسك «بالإخوان»
لا تبدو فى الأفق المنظور مؤشرات جادة على التهدئة، بل على العكس نحن نشهد محاولات قوية على إثارة المواجهات فى الشرق الأوسط، وأغلب الظن أن الفوضى التى تضرب المنطقة مرشحة للاستمرار، بل إن «الحروب بالوكالة» لم تزل أشباحها تتراقص بقوة، وهنا فإن «المسألة الكردية» مرشحة بقوة لتكون «فتيل الأزمة» الجديد، بل وبمقدوره أن يفجر «موجة حروب أخرى» فى المنطقة، ومن خلالها يستمر العراق، وكذلك سوريا فى دوامة الفوضى، كما أن «الورقة الكردية» يمكن أن تستغل فى «إصطياد إيران»، وفتح «جبهة من الداخل» فضلا عن أن ذات الورقة بإمكانها أن يتم اللعب بها مع تركيا، إلا أن «الوجود الإيرانى» فى سوريا، وبروز قوة حزب الله، سواء فى معارك سوريا، أو تحقيقه «لبعض النقاط» داخل لبنان بعد تمكنه من إنهاء تهديد داعش يمكن أن يمثل «بؤرة توتر جديدة».
بل إن البعض بات يتحدث عن حرب جديدة، وهذه المرة ستكون ما بين إسرائيل وإيران وحزب الله، وساحتها فى الأراضى السورية ولبنان!، وفى ذات الوقت نشهد تزامنا ما بين تعليق جزء من المعونة الأمريكية لمصر، وبدء حملة هجوم معتادة ضد القاهرة، والنظام الحاكم ـ ومن بين ثناياها إصرار غريب على ضرورة « إعادة إدماج الإخوان» فى المشهد السياسى المصرى، بل وفى المنطقة عموما من قبل الدوائر الأمريكية، وإذا ما جرى «إعادة تركيب» هذه الأجزاء إلى جوار بعضها البعض فإن المراقب المحايد لا يمكنه أن يخلص إلى نتيجة مريحة، ولا يستطيع أن يقول باطمئنان أن ثمة جهدا حقيقيا لإعادة الهدوء والاستقرار للمنطقة من قبل القوى الغربية.
ولعل نقطة البداية هى من تصريحات روبرت فورد سفير أمريكا السابق لدى سوريا، والتى حملت نوعا من خيبة الأمل، فهو يقول إن «الحرب تتلاشى شيئا فشيئا، لقد فاز الأسد، وسيبقى، وإيران سوف تبقى فى سوريا».
وبلهجة تحريضية يقول «هذا هو الواقع الجديد الذى علينا أن نقبله، وليس هناك الكثير لنقوم به حيال ذلك» إلا أنه يعود فى حواره مع صحيفة «ذا ناشيونال» «الإماراتية» ليقدم «وصفته القديمة» لتغيير الأوضاع فى سوريا، فهو يرى أن انتصار «المعارضة المسلحة» عسكريا مرتبط بشروط، ويقول «فورد» ما لم تكن الحكومات الأجنبية التى دعمت «الجيش السورى الحر» على استعداد لارسال الأموال والاسلحة بما فى ذلك صواريخ مضادة للطائرات، وتوفير مستشارين عسكريين على غرار ما يجرى مع قوات سوريا الديمقراطية فى معاركها ضد داعش، سيكون من المستحيل للمعارضة هزيمة الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين!.ولا يتوقف الرجل عن عادته القديمة ـ فهو حرض وشجع السوريين على التمرد، واعترف بأن إدارة أوباما لم تكن لتتدخل!، وها هو اليوم يعود ليقول: حتى لو فعلت تلك الدول الأجنبية ذلك، فإنها ستكون حربا طويلة ربما تنتهى بطريق مسدود؟!. وأحسب أن الرجل ومراكز الأبحاث الأمريكية المسخرة لخدمة مصالح «لوبى السلاح والمال» عادة ما تنسى أن «الحروب غير مضمونة النتائج» وإذا ما جرى النظر حولنا سوف نلاحظ أن حروبا كثيرة بالوكالة لاتزال مفتوحة، ومستمرة منذ سنوات، ووصلت إلى طريق مسدود! إلا أن المثير للدهشة هى أن المتورطين لا يدركون، وربما لا يستطيعون ـ الخروج من المستنقع، وتبدو الأصابع التى حرضت وزينت للاطراف والحكومات الأجنبية ـ ومنها اطراف عربية ودول خليجية ـ على التورط لا تريد لحالة الفوضى هذه أن تتوقف، وهنا فإن حديث كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق عن «الفوضى الخلاقة» مازال يتردد صداه، ولم تتوقف الفوضى، ولم نر شيئا خلاقا بالمرة؟!... بل هى «حلقة شيطانية» من الفوضى وحروب بالوكالة.
ومن الأمور المثيرة للانتباه الآن هو كثرة الحديث عن الوجود الإيرانى فى سوريا وخطورته على إسرائيل، ووجود الآلاف من المقاتلين الموالين لإيران فى سوريا، والذين لن يغادروا حتى لو أنتهت الحرب، بالإضافة إلى الوجود الجوى الروسى فى سوريا، وأغلب الظن أن «الذرائع الإسرائيلية» بل والأمريكية جاهزة فى ظل هذا الحديث من أجل نشوب حرب جديدة فى المنطقة، وذلك إذا ما استدعت «المصالح الأمريكية» ذلك؟!.
وهنا نصل إلى سؤال مربك: ترى لماذا هذه المنطقة دون غيرها تشهد سلسلة لا تنتهى من الحروب؟! وأحسب أن الخيوط القريبة نسبيا تعود بنا إلى «الحرب الباردة» وصراع واشنطن وموسكو، ومحاولة إسقاط الاتحاد السوفيتى وحرب أفغانستان ثم حروب الخليج المتعاقبة حتى إسقاط صدام حسين والربيع العربى، وحالة الفوضى حتى وقتنا هذا.
وللأسف الشديد فإن ما هو منسوب إلى هنرى كيسنجر بشأن وجود توجيه من الإدارة الأمريكية لاحتلال واشنطن لـ7 دول شرق أوسطية لتتمكن من السيطرة على العالم، بعد الحرب الشرسة التى ستدور بين الجبهة الأولى المكونة من الدب الروسى والتنين الصينى، والجبهة الثانية، وهى الأمريكية، ولم يعد سرا أن هناك دوائر أمريكية وأوروبية تتخوف من «القوة العسكرية الضخمة» لبكين وموسكو وضرورة «تحييد هذه القوة» بالتخلص منها.. ووفقا للسيناريو الأمريكى المتداول: احتلال 7دول شرق أوسطية، فالسيطرة على منابع النفط والغاز تمهيدا للقضاء على الدول، والخطوة الثانية هى السيطرة على الغذاء، لأن هذا هو سبيل السيطرة على الشعوب، «وهنا ربما يمكن للمرء إضافة اشعال حروب المياه».
وتأتى الخطوة الثالثة باشعال الحرب ما بين إسرائيل وإيران لتكون الغلبة لإسرائيل، ووفقا للمخطط الأمريكى، فإن نشوب الحرب سوف يجر روسيا والصين لمناصرة ولدعم موقع نفوذ لهما بالمنطقة، وبالطبع لن تقف بكين وموسكو مكتوفتى الأيدى، بل ستتورطان بقوة، وهكذا تقع الحرب العالمية الثالثة التى ستخرج منها واشنطن وحدها منتصرة و«القوة العظمى الوحيدة» التى تتحكم بأمور العالم؟! ربما هذا «سيناريو كابوس» ولكن شواهد التصعيد ضد روسيا ، وإشعال الموقف فى شبه الجزيرة الكورية، وهذه الحرائق فى أماكن عدة، وخصوصا هنا ربما تقول بأن «الفوضى» لها فوائد جمة.. حتى ولو لم نصل إلى «الحرب الكونية»... فالحروب بالوكالة الجارية تعيد «أجواء الحرب الباردة» السابقة بقوة!.
ولا يتبقى سوى مصر وحجب جزء من المعونة، عنها، ولقد قيلت أشياء كثيرة عن الأسباب دارت حول مسألة الحريات، وحقوق الإنسان، إلا أن معظم الكتابات الأمريكية دارت حول ضرورة إعادة الإخوان إلى المشهد السياسى، بل إن ستيفن كوك فى مقاله أخيرة بعنوان «كابوس مصر: حرب السيسى الخطيرة على الإرهاب» وصل إلى حد اتهام مصر بأنها «سبب أزمات المنطقة»، وأن الحل هو إعادة الإخوان والقبول بهم فى المشهد السياسى بالمنطقة!!.. وأحسب أن هذه «الوصفة المدمرة» سبق أن جربتها كل الأنظمة المصرية، ولم يعد بمقدور المصريين قبول هذه الجماعة الإرهابية.. وما لم يدركه كوك وميشيل دان أن المصريين، يدركون «سر الهجوم وتوقيت الابتزاز» مع قرب انتخابات الرئاسة، وأن «المطالب المحددة» التى تلمح لها دان ليست بمقدور القيادة المصرية، ولا غيرها التجاوب معها، ونصيحة أخيرة «استقلال القرار المصرى» هو «الحائط» الذى تصرون على الاصطدام به، ولا حل لأمريكا سوى التعايش معه، ونسيان «أوهام القوة»؟!.