الأهرام
د. محمد شوقى عبدالعال
مذابح الروهينجا والمحكمة الجنائية
وفقاً لأحدث تقديرات الأمم المتحدة، فقد عبر حدود ميانمار إلى بنجلاديش المجاورة ما يزيد على 146 ألفا من مسلمى الروهينجا، نتيجة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التى شهدتها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية، حيث قام الجيش البورمى باستخدام القوة المفرطة بحقهم. وقد جاءت هجمات الجيش البورمى هذه على المدنيين العزل من مسلمى إقليم أراكان بعد يومين اثنين من تسليم الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفى أنان تقريراً نهائياً لحكومة ميانمار بشأن تقصى الحقائق فى أعمال عنف سابقة ضد مسلمى الروهينجا فى أراكان، انتهى فيه إلى إدانة سلوك القوات المسلحة لميانمار عما فعلته بحق هذه الأقلية المسلمة، وكأن الهجوم الأخير من الجيش على المدنيين المسالمين كان عقاباً لهم على ما ورد بالتقرير.

ومثل هذه الأعمال وما يقترن بها من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان هى سياسة ممنهجة تتبعها السلطات هناك منذ عشرات السنين. ويكفى أن نشير فى هذا الصدد، وعلى سبيل المثال فقط، إلى أنه وبعد تطبيق قانون الجنسية الجديد فى ميانمار عام 1982 حرم المسلمون هناك من تملك العقارات ومن التجارة ومن تقلد الوظائف، كما حرموا من التصويت فى الانتخابات ومن ممارسة الأنشطة السياسية.

وفقاً لهذا القانون يعتبر المواطنون المسلمون مواطنين من الدرجة الثالثة، حيث تم تصنيفهم على أنهم أجانب دخلوا بورما لاجئين فى اثناء الاحتلال البريطاني، فسحبت جنسياتهم، وصار بإمكان الحكومة ترحيلهم متى شاءت.

من المعلوم أن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية هما جريمتان من الجرائم الأربع التى تختص بها المحكمة الجنائية الدولية. ويقصد بالإبادة الجماعية ما حددته المادة 6 من النظام الأساسى للمحكمة «أى فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد أهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً: قتل أفراد الجماعة، إلحاق ضرر جسدى أو عقلى جسيم بهم، إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلى كلياً أو جزئياً..... أما الجرائم ضد الإنسانية فيقصد بها وفق ما حددته المادة 7 «أى فعل من الأفعال التالية متى ارتكب فى إطار هجوم واسع النطاق أو منهجى موجه ضد أى مجموعة من السكان المدنيين: القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسرى لهم، السجن، التعذيب، الأفعال اللاإنسانية الأخرى».

والسؤال هل ستتم إحالة ملف ما يحدث من مذابح وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان تصل إلى حد الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بحق الروهينجا إلى المحكمة الجنائية الدولية؟

ولبيان مدى إمكانية ذلك نجيب فى البداية عن سؤال حول من له حق إحالة القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية. فلقد حدد النظام الأساسى للمحكمة ثلاث جهات لها الحق فى الإحالة إليها، هى الدول الأطراف فى النظام الأساسى للمحكمة، ومجلس الأمن الدولى متصرفاً وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والمدعى العام للمحكمة من تلقاء ذاته. ولما كانت ميانمار ليست طرفاً فى النظام الأساسى للمحكمة من جانب، وكان مسلمو الروهينجا ليسوا مواطنين فى دولة أخرى غير ميانمار طرفا فى النظام الأساسى بحيث يحق لها إحالة المسألة إلى المحكمة من جانب آخر. فإنه لا يبقى أمامنا سوى أن تأتى الإحالة من مجلس الأمن، أو أن يقوم المدعى العام للمحكمة من تلقاء نفسه بذلك. وبخصوص مجلس الأمن فقد منحه النظام الأساسى للمحكمة بموجب المادة 13 منه حق إحالة الحالة محل النظر إلى المحكمة متى جاء تصرفه هذا مستنداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وعلى الرغم من سيطرة الاعتبارات السياسية على قرارات مجلس الأمن، وهو ما قد يجعل قيامه بإحالة الوضع فى ميانمار إلى المحكمة أمرا تحيطه شكوك كثيرة، فإن فداحة الجرائم المرتكبة بحق مسلمى الروهينجا، والتى أشارت إلى جانب منها الأمم المتحدة ذاتها فى تقاريرها الأخيرة، فضلاً عن تهديد الوضع للسلم والأمن الدوليين فى المنطقة، قد يدفع مجلس الأمن إلى تبنى قرار بالإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية، سيما إذا تبنت الدول الإسلامية فى الأمم المتحدة، والتى يربو عددها على الخمسين دولة، تدعمها - بداهة دول كثيرة غير مسلمة، موقفاً موحداً. أما بخصوص الطريقة الأخيرة من طرق الإحالة إلى المحكمة وهى قيام المدعى العام للمحكمة من تلقاء نفسه بفتح باب التحقيق فى مسألة من المسائل على أساس معلومات متعلقة بجرائم تدخل فى اختصاص المحكمة تصل إلى علمه من مصادر موثقة، أو يستقيها هو من أى مصدر كان، الحكومات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والضحايا أنفسهم، وهو الاختصاص الذى منحته إياه المادة 15 من النظام الأساسى للمحكمة، فربما تكون هى الطريقة الأجدى فى هذا السياق. ومن هنا تأتى أهمية أن تسارع الدول، وأن تسارع المنظمات الحكومية المعنية كمنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمات المجتمع المدنى المهتمة بحقوق الإنسان، بل وأن يسارع أبناء شعب الروهينجا أنفسهم، بتوثيق الجرائم المرتكبة بحقهم، وموافاة المدعى العام بها بكل الطرق الممكنة، عسى أن يدفعه ذلك إلى القيام بفتح باب التحقيق فى هذه الجرائم.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف