احمد المنزلاوى
أسواق الأدب ومصير أبي لهب
أقاموا قبل الحج أسواقا للأدب. اجتمعت فيها قبائل العرب شهدت مباريات في الشعر ومبارزات في الفخر وقامت بسببها الحرب ولا بأس أن نمر علي أسمائها ومعانيها في القواميس والكتب.
ولاننسي كلمات النبي الكريم في أرجائها وما فعله أبولهب.
وصل عددها إلي أكثر من خمسين سوقا في أنحاء الجزيرة العربية اشهرها ثلاثة انعقدت في رحاب مكة المكرمة في العصر الجاهلي. وظهرت الرابعة في البصرة بعد الاسلام.
والسوق : مكان البيع والشراء.. سميت كذلك لأن الإبل والخيل والغنم وغيرها تساق إليها "تذكر وتؤنث".
لم تقتصر علي الأدب فحسب بل امتدت إلي التجارة في الدواب والعبيد والإماء والسلع المختلفة كالعسل والسمن والتمر والخمر والملابس.
كما صحب بعض الآباء بناتهم إليها من أجل الزواج وكانت ايضا مناسبة للصلح بين القبائل. وتبادل الأخبار ونشرها. تأتي كل قبيلة بأخبارها وتعود بأخبار القبائل الأخري وبدت تلك الاسواق كأنها صحيفة العام تقدم نشرة وافية لأخبار الجزيرة العربية.
اشهرها سوق عكاظ ولايزال الاسم يتردد حتي الآن في أسماء الصحف والمواقع الالكترونية والمنتديات الأدبية.
تفتح أبوابها في أول ذي القعدة وتستمر 20 يوما. تذهب بعدها القبائل إلي سوق مجنة "ذو المجنة" لمدة 10 أيام بعدها سوق ذي المجاز لمدة 7 أيام يأتي بعدها يوم التروية فيشربون وتشرب دوابهم ويملأون جرارهم ويبدأون الحج من عرفات وينتهون إلي مني.
انتشرت عبادة الأصنام في الجزيرة العربية في العصر الجاهلي. وبقيت قلة قليلة تعبد الله علي دين ابراهيم الخليل "عليه السلام" الحنيفية منها قس بن ساعدة خطيب العرب وزيد بن عمرو وورقة بن نوفل "قبل ان يتنصر".
عبرت اسماء الاسواق عما يجري بها من منافسات في الشعر والبلاغه والفصاحة ومساجلات في القمر بالحسب والنسب وكذلك منازل الإبل.
تطورت اللغة العربية في هذه الأسواق وظهرت لغة قريش كلغة قياسية اساسية تفهمها معظم قبائل العرب كما خرجت بينها عيون الشعر الجاهلي ومعلقاته.
يأتي الشعراء بقصائدهم الجديدة كل عام ويتولي المحكمون نقدها والحكم عليها "13 حكما" معظمهم من تميم. منهم سعد بن زيد. وحنظلة بن مالك ومحمد بن مجاشع.
ومن نجوم هذه الأسواق. إمرؤ القيس وطرفة بن العبد. والحارث بن حلزة. وعمرو بن كلثوم. وعنترة بن شداد. وزهير بن أبي سلمي والد كعب بن زهير صاحب البردة الأولي والأغسر ولبيد "الوحيد الذي اسلم" وكذلك الشاعر الكبير النابغة الذبياني وبشاعر البادية "علقمة فحل".
* سوق عكاظ : تقع شمال مكة بين وادي نخلة والطائف تشرف عليها وتحميها قبيلة هوازن.
وتعاكظ القوم: اجتمعوا لبحث أمورهم وعكظ الشاعر خصمه: انتصر عليه بشعره أو فخره أو متاحته أو حجته.
وعكظ الدابة : عقلها أو حبسها أو ربطها.
سوق مجنة "ذو المجنة" تقع جنوب مكة عند مر الظهران "وادي فاطمة" قرب الجبل الاصفر تشرف عليها وتحميها قبيلة كنانة.
والمجنة : السر أو الإخفاء والمكان المسكون بالجن أو الجنون أو المجون أو اللهو واللعب.
* سوق ذي المجاز. شرق مكة قرب جبل عرفات.
والمجاز : الممر. أو المضيق أو مكان المرور الي الحج.
قامت الحرب احيانا بسبب مساجلات الغمز والهجاء في هذه الأسواق ومنها حرب الفجار بكسر الفاء وفتح الجحيم استمرت 10 سنوات "43 ف . هـ 33 ف.هـ" 580 - 590م بين عدد من قبائل العرب سميت كذلك لانها وقعت في الاشهر الحرم واستحلت المحرمات "صيغة مبالغة".
كانت النساء من أهل الشعر والفصاحة يشهد هذه الأسواق.
وكان خطيب العرب قس بن ساعدة يلقي خطبه من فوق ناقته. وتظهر فيها علامات علمه وحكمته.
وهو أول من استخدم مصطلح "أما بعد" في الخطابة رآه النبي الكريم صلي الله عليه وسلم قبل البعثة وسأل عنه بعدها وعلم بوفاته.
* سوق المربد: ظهرت في البصرة بالعراف معناها مربط الإبل ومربد التمر: مكان نشره وتجفيفه كانت سوقا للإبل في عصر الخلفاء والراشدين "أبوبكر وعمر وعثمان وعلي" رضي الله عنهم.
وتحولت الي الأدب في العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي.
وكانت البصرة والكوفة وبغداد مدنا للأدب واللغة والعلم آنذاك استمرت السوق حتي أوائل القرن الخامس البحري.
من أشهر معالمها مساجلات جرير والفرزدق "النقائض" جمع نقيضه وهي قصائد في الغمز يرد عليها الطرف الآخر بقصيدة من نفس البحر والقافية.
كان لفن النقائض دور كبير في تطور لغة الشعر ومعرفة أنساب قبائل العرب.
من أعلام المربد: الخليل بن أحمد واضع علم العروض وبحور الشعر. وسيبويه فقيه النحو. وابن المقفع مترجم كليلة ودمنة وخالد بن صفوان فصيم العرب وصاحب قصيدة العروس "الفوفية" في وصف جارية.
ومن كبار الشعراء بشار بن برد والاخطل وابي نواس وكبير الكتاب الجاحظ وأبي عمرو بن العلاء والراعي النميري.
شاعر عباسي كبير هماه جرير هجاء ندم عليه بقوله:
فغض الطرف إنك من غير
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
كان النبي صلي الله عليه وسلم يتجول في أسواق مكة. يدعو القبائل للإسلام مدة 10 سنوات.
يقول "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"
وأبولهب يمشي خلفه ويقول : لاتصدقوه
ويلقي عليه التراب والاحجار. حتي أدمي قدميه.
يسأل الناس من الفتي؟
- هذا فتي بني عبدالمطلب.
وعن الآخر :
- عبدالعزي "أبولهب"
والعزي ثاني أكبر أصنام العرب بعد اللات وقيل مناة
وفي الذكر الحكيم :
"تبت يدا أبي لهب وتب.. ما أغني عنه ماله وما كسب.. سيصلي نارا ذات لهب" "المسد 1-3".
وما أحوجنا في أيامنا إلي اسواق ومنتديات وهيئات للأدب يتباري عليها الشعراء والأدباء في الابداع والبيان ويطورون لغة قياسية يتحدث بها كل العرب ويفكرون بها. ويفخرون انهم من أبنائها.