الوطن
د. محمود خليل
نفاق السماء
هوجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى، بدأت تداعياتها تنتقل إلى الواقع تتعلق بالمذابح التى يتعرض لها مسلمو «الهورينجا» بميانمار. الواقع الافتراضى بدأ القصة من خلال حفلة بكاء جماعى على ضحايا المذابح البوذية ضد تلك الأقلية المسلمة، ومن بعده انطلقت وسائل إعلام متعددة إلى التعاطى مع الحدث، ثم بدأ الساسة يدخلون على الخط، وتنوعت مشاركاتهم ما بين تحركات قامت بها وزارات الخارجية داخل بعض الدول الإسلامية، وزيارات قام بها بعض مسئولى هذه الدول إلى مخيمات «الهورينجا».

القصة بدأت على مواقع اجتماعية وقنوات فضائية لا تخفى هويتها الإخوانية، واعتمدت على مجموعة من التيمات المحفوظة فى هذا السياق تقترن بصرخات تطالب بإنقاذ المسلمين الذين يتعرضون للإبادة فى بورما. صرخات سبق وسمعنا مثلها مع أى عدوان إسرائيلى على غزة، وسمعناها أيضاً أيام عمليات اضطهاد مسلمى «كوسوفو»، وغير ذلك. ثمة سؤال يطرح نفسه: هل الإخوان متعاطفون حقاً مع مسلمى الهورينجا، ويوجعهم مشاهد القهر التى يعانون منها، أم أن المسألة تقع فى سياق مكايدة الحكومات التى تخاصمها الجماعة؟. ليس بمقدورنا التفتيش عن النوايا بالطبع، لكن تجارب الإخوان السابقة تقول إن السياسة كثيراً ما تسبق الدين عند تحديد مواقفهم وسلوكياتهم إزاء الأحداث المختلفة، وهو الأمر الذى يجعلنا نرجح أن حفلة البكاء على مسلمى الهورينجا ليس مردّها التوجع بأزمتهم قدر ما يقع فى سياق المتاجرة بها على الحكومات، واتخاذ ما يحدث ذريعة لـ«التلويش» فى خصومهم السياسيين الساكتين عن الظلم الواقع على «غلابة الهورينجا»!.

استوت وطابت القصة على أيدى الإخوان، ومن بعدهم، وقد يكون أيضاً بالتوازى معهم، بدأت أصوات أخرى فى الدخول على الخط، أصوات متنوعة ما بين رسمية وشعبية بدأت هى الأخرى تدبّج قصائد الرثاء والبكاء فى قتلى مسلمى «الهورينجا»، وثمة سؤال يطرح نفسه أيضاً على هامش الخطاب الدفاعى والرثائى الذى طرحته هذه الأطراف: هل كان هؤلاء مدفوعين فيما يفعلون بحزن حقيقى على مأساة مسلمى الهورينجا المغلوبين على أمرهم، أم أن الهدف كان المزايدة على الإخوان، وإثبات حالة تؤشر إلى أنهم لا يقلون حزناً أو اهتماماً بالدفاع عن المعذبين فوق أرض البورما من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها؟ من جديد لا يعلم نوايا البشر إلا الله، لكن التجربة تقول إن كل دولة إسلامية حالياً منشغلة بما يواجهها من هموم ومشكلات تكفى جداً لصرفها عن التفكير فى غيرها، الأمر الذى يجعلنا نرجح أنها تفعل ما تفعل بهدف المزايدة على التاجر الإخوانى ليس أكثر.

أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن ما يقرب من 1000 مسلم لقوا حتفهم نتيجة الاضطهاد الدينى فى بورما. وأنت تعلم مدى تواضع هذا الرقم مقارنة بأرقام أخرى عديدة تتحدث عن ضحايا الحروب الأهلية بين المسلمين فى دول إسلامية متعددة، وتفهم أيضاً مستوى خفة هذا الرقم مقارنة بضحايا بعض الحوادث الكبرى التى شهدتها مصر، مثل حريق قطار «أبورواش» وغرق العبارة «السلام 98» وعدد من ماتوا تحت صخور المقطم. أصعب أنواع النفاق «نفاق السماء».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف