قد يغضب مني البعض ولكني اتفق مع صديقي جميل عفيفي مدير تحرير الأهرام في أن ما يحدث في ميانمار أو بورما ليس إبادة للمسلمين.. لكنه صراع عرقي طرفاه مسلم وبوذي وصل لحد العنف الذي لا نقبله لأي إنسان أو حتي حيوان.. ولكن كل ذلك لا يدعونا للخطأ الذي وقعنا فيه في بداية التسعينيات من القرن الماضي بتحويل الصراع بين البوسنيين علي الحكم إلي طائفي وجمع التبرعات عن طريق »دار الحكمة» التي يسيطر عليها الإخوان لتسليح وتنفيذ عمليات إرهابية.
نعود قليلا بالتاريخ فـ »روهينجا» اسم قومية عرقية تنتمي إلي عائلة الشعوب الهندية وتقطن في ولاية أراكان غربي الهند ويوجد بها حوالي 800 ألف مسلم تعدهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادا في العالم.. وتنحدر أصولهم من بنجلادش ويتحدثون بلغة »شيتاجونج» المستخدمة في الجزء البنجلاديشي الجنوبي.. اختلف في أصل المصطلح »روهينجا» هل هو مشتق من الكلمة العربية »رحمة» أم من كلمة مروهاونج » مملكة أراكانية القديمة» وتعني سكان تلك المنطقة.. اللغة الروهينجية لغة حديثة من اللغات الهندوأوروبية.. وتمكن علماء الروهينجا من كتابة لغتهم في نصوص مختلفة مثل العربية والأردية والرومانية والبورمية.. وهي أبجدية استمدت من اللغة العربية مع إضافة أربعة أحرف من اللاتينية والبورمية.
ظهرت مستوطنات المسلمين في أراكان منذ وصول العرب إلي هناك في القرن الثامن الميلادي.. وتعيش السلالة المباشرة من المستوطنين العرب الآن في وسط مركز أراكان بالقرب من بلدتي مرايك يو وكياوكتاو.. ويعود تاريخ أولي الدلائل المكتشفة عن مستوطنات مسلمي البنغال في أراكان إلي زمن الملك ناراميخلا 1430 ميلادية.. فبعد نفي 24 سنة في البنغال استعاد الملك سيطرته علي العرش الأراكاني بمساعدة عسكرية من سلطنة البنغال حيث شكل البنغال الذين جاءوا معه مستوطناتهم الخاصة في المنطقة.. وقد تنازل الملك ناراميخلا عن بعض الأراضي لسلطان البنغال معترفا بسيادته عليها.. وإدراكا لموقع المملكة بأنها دولة تابعة فقد أعطي لملوك أراكان ألقاباً إسلامية.. وسك الملك النقود بأن كتب رموزاً بورمية علي جانب وأبجدية عربية فارسية علي الجانب الآخر.. وبعد وفاة السلطان جلال الدين محمد شاه سنة 1433 تحررت أراكان من تبعيتها للبنغال حيث كافأ خلفاء ناراميخلا البنغال باحتلالهم رامو في 1437 وشيتاجونج في 1459.. واستمرت شيتاجونج تحت حكم الأراكانيين حتي سنة 1666.
استمر ملوك أراكان في الحفاظ علي الألقاب الإسلامية حتي بعد تحررهم من سلاطين البنغال.. فقد قارن الملوك البوذيون أنفسهم بالسلاطين ولبسوا ملابس الحكام المغول. واستمروا في توظيف المسلمين في المناصب المرموقة داخل السلطة الحاكمة.. وازداد عدد المسلمين بالبنغال في القرن السابع عشر.. وشغلوا عدة قطاعات من القوي العاملة لأراكان. حيث عملوا كتبة في المحاكم للغات البنغالية والفارسية والعربية... وللحديث بقية.