محمد السعدنى
كلام مهم لوزير التعليم العالي - في الفكر والسياسة
إذا صدقت نوايانا بأننا دولة قانون، فلابد أن نلتزم جميعاً دولة ومؤسسات ومجتمعاً وأفراداً بما يقرره القانون، وألا يكون هناك من هو استثناء من ذلك الشرط الذي بدونه نكون كمن يقوض أحد أعمدة البناء الأساسية ثم ينعي بعد ذلك كيف لا ينهض البناء سليماً دون مخاطر. أقول هذا وماثل أمامي كيف تتعامل الحكومة مع الجامعات الخاصة في تمييز صريح لا ينظر لمؤسساتها باعتبارها شريكة تنمية وتحديث لازمين لتطوير الأداء الجامعي ومن ثم التنمية المستدامة. ولعل واحدة من شواهد هذا التمييز التي زادت وطأتها مع الظروف المعيشية الصعبة التي نمر بها جميعاً هو فرض رسم بقرار إداري غير مشروع علي أعضاء هيئة التدريس والأساتذة من جانب المجلس الأعلي للجامعات، الذي يشترط للموافقة علي إعارة أو ندب عضو هيئة التدريس من الجامعة الحكومية لنظيرتها الخاصة تسديد عشرة آلاف جنيه للإعارة، أو خمسة آلاف للندب، أو ما دون ذلك طبقاً لعدد أيام الندب الأسبوعي. ومجلس جامعاتنا الموقر في هذا يشترط ما هو غير موجود بالقانون، فيفرض ضريبة يسميها من باب الشياكة رسوماً للندب، وهو أمر لا يلغي واقعها، إذ هي في حقيقتها جباية مقنعة بلا سند قانوني، وهي فرض لضريبة إضافية دون أن ينظمها تشريع، ولعل السيد الوزير يعلم، »أنه لا رسوم ولا ضريبة بغير قانون». وحتي لو تم إصدار هذا القانون فسيكون قانوناً غير دستوري يشكل ازدواجاً في الرسوم والضرائب علي هيئة التدريس في الجامعات الخاصة الخاضعة بالفعل لضريبة كسب العمل، وهو بذلك يناقض واحدة من قيم الدستور المصري، ألا وهي المساواة بين المواطنين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة. فمادامت ارتضت الدولة أن يكون هناك تعليم جامعي خاص، فالدستور يحتم علي كافة مؤسساتها التعامل بالمساواة بين المواطنين، ومنهم بالطبع القائمون علي التدريس في كل من العام والخاص، دون تفرقة ودون تمييز، وألا تكون الحكومة قد خالفت الدستور ومواده الحاكمة وخالفت أيضاً صريح القانون.. وباختصار فإن غالبية الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس من المعارين والمنتدبين للعمل في الجامعات الخاصة يتضررون من هذه الجباية ولا يستسيغون منطق التمييز والتفرقة بينهم وزملائهم العاملين في الجامعات الحكومية. ورغم هذا كنا جميعاً نصدع بالاستجابة لقراري المجلس الأعلي للجامعات رقمي (576) بتاريخ 25/8/2012، (592) بتاريخ 8/6/2013 ونقوم بتسديد ما هو مقرر، إلا أنه ومع زيادة الأعباء المعيشية وغلاء الأسعار ونسب التضخم العالية، فليس في مقدورنا الاستمرار في هذا الوضع، خصوصاً مع توسع بعض الجامعات والكليات في فرض تبرعات مقابل الإعارة أو الندب، إنه عقد إذعان لا يقره القانون وترفضه قواعد وموجبات حقوق المواطنة.
وقد يقول قائل: إن المجلس الأعلي للجامعات لم يفرض هذه الرسوم علي أعضاء هيئة التدريس، إنما فرضها علي الجامعة المعار أو المنتدب إليها الأستاذ. وهنا لابد من توضيح لخطورة هذا المنزلق، فالجامعات الخاصة تدفع للدولة ما فرضه عليها القانون من ضرائب ورسوم للجان قطاع المعادلة وللاعتماد والجودة ورسوم معادلة واعتماد النتائج والشهادات، وتفرض عليها استثمارات في التجديد والإحلال والأجهزة والمستلزمات والوسائط المعرفية الحديثة وكلها مستوردة وارتفعت أسعارها بشكل جنوني، بينما لم يسمح بزيادة المصروفات إلا بنسبة عشرة في المائة. إذن الجامعات مثقلة بأعباء فوق أعبائها، وهي ليست مضطرة للدفع لإعارة هيئة التدريس إذ يمكنها أن تندب أساتذة وأعضاء هيئة تدريس من أكاديميات ومراكز علمية وبحثية غير خاضعة للمجلس الأعلي للجامعات، وهي بالمناسبة كثيرة في بلادنا المحروسة، لكن هنا وهنا تحديداً تتجلي مشكلة أخري، ولنقلها بصراحة دون المساس بقيمة وأقدار زملاء آخرين قد يكونون أكثر تخصصاً في البحث أو التطبيق العملي والتدريب وليس في التدريس وما يستتبعه من معرفة وثيقة بالنظم واللوائح الجامعية، ونظم الامتحانات والكونترولات وإدارة الوقت والنظم الحديثة لتقييم الطلاب في إطار نظام الساعات المعتمدة وغيرها، مما سيؤثر حتماً علي مستويات الأداء الجامعي ونظم الجودة، وربما تسبب في النزول بمستويات التعليم والقواعد الأكاديمية للجامعات الخاصة، ما يضر بتطورها ومستقبلها، بينما هي شريك حقيقي في التنمية تحمل كثيراً من الأعباء عن مثيلاتها الحكومية. ولعلي أذكر للوزير في أول حواراته للصحافة المصرية مع الأستاذ رفعت فياض إشارته الطموح لاستعادة صدارة مصر بتوظيف قواها الناعمة في جذب الوافدين من العالمين العربي والإفريقي، ما يستدعينا لتقوية جامعاتنا في عالم التنافسية الذي لا يرحم. وليس خافياً أن المعارين للجامعات الخاصة قوة بشرية متمايزة ومتفوقة ولعلها سبب رئيس لتبوؤ هذه الجامعات لمكانة مرموقة يجب الحفاظ عليها.
زميلنا الدكتور خالد عبد الغفار رجاء إعادة النظر في هذا القرار خصوصاً أن ما يحصله المجلس الأعلي منه ليس ذات قيمة تستدعي مخالفة القانون والدستور، إذا ما قيس بأضراره وتداعياته الأخري.