الأهرام
عبد الفتاح البطة
مصيبة العصر الأخلاقية !!
(اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَة..ِ ..( وذكر منها )..ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ... ) حديث للنبي صلي الله عليه وسلم رواه البخاري عن عوف بن مالك رضي الله عنه يشير إلي ست علامات تظهر قبل قيام الساعة ، نركز فيها علي الفتنة التي تعم كل بيوت العرب.
كان العلماء قبل أن يظهر النت والفيس والواتس والماسنجر يشيرون إلي التلفاز باعتباره فتنة تعم كل بيوت العرب ، ولكن الآن يمكن أن نعتبر التلفاز (ملاكا )بالنسبة لما يمكن اعتباره (مجمعا للشياطين )في النت بكل محتوياته .
فقد ساعد هذا الإختراع في النزول بالأخلاق إلي منحدر سحيق ،وبتردي العادات والتقاليد التي كانت راسخة رسوخ الجبال في النفوس - توارثتها جيلا بعد جيل -تردي الحجر الضخم من فوق جبال الهيمالايا .
وتزامن مع ظهور وإتساع خطر النت ظهور وخلق أجواء ،وإستيراد نماذج ودعم نظريات وسياسات وأفكار تفسح المجال واسعا ،وتترك الساحة بلا حراسة ولا مواجهة أوحتي معارضة لهذا الخطر . فهناك تراجع لدور العلماء الربانيين واختفاء لدور المسجد تقريبا كمرشد وراع للأخلاق ،ولوظيفة المدرسة كمربي ومُهذب، وضَعُف - إن لم يكن إنعدم - دور الأم الحقيقي التي تشاغلت ،بل وأدمنت هي نفسها الفيس والواتس قبل أن تنشغل بوظيفتها .
وترافق ذلك مع وجود ١١ مليون امرأة غير متزوجة - كما تقول إحصائيات رسمية - يقابلهم بالطبع ١١ مليون شاب ورجل غير متزوج .
والغرب الذكي في خبثه وشره لم يُعطنا شيئا بالمجان أبدا إلا ويعلم أن المردود الديني والأخلاقي والعقائدي والفكري والسلوكي المدمر للأمم أكبر وأعظم من خدمة يأخذ عليها مقابلا زهيدا .فالسلعة إذا قُدمت بدون مقابل كان الشخص المستقبل للسلعة هو الثمن خصما من دينه وخلقه وفكره وسلوكه وعاداته وتقاليده .
فالتليفزيون يجلس أمامه الشخص مستقبلا فقط ،لكن عن طريق الفيس يستطيع الرجل أوالمرأة أن يتفاعلا صوتا وصورة ،وهو ما أفقد المرأة كثيرا من حياءها - وهو أعظم ما تملك - بل ودخلت في علاقات - سواء كانت متزوجة أوغير متزوجة - لا تُرضي ربها ولا رسولها صلي الله عليه وسلم . كما تلوث الرجل هو الآخر، وأصبحت مشاهدة الصور والمشاهد الإباحية إدمانا إعتاد عليه كما تعود علي التنفس والطعام والشراب، وأفقده كثيرا من صفات النخوة والمروءة ،وبالتالي إرتفع وتسلط الجانب الشهواني عند الطرفين علي الجانب الديني أوالأخلاقي .
وكما قال أحد الحكماء : إذا كان للإنسان (رجل أوامرأة ) قلب طماع وبصر زائغ وعدم خوف من الله عز وجل فلا يملأ عينه إلا تراب مقبرته . وهكذا أصبحت المرأة لا ترضي عن زوجها ،ولا يرضي الزوج عن زوجه لأن كل طرف يركز علي ما ينقص الطرف الآخر، ويتعامي عن المزايا والجوانب الإيجابية، وهو ما تسبب في تصدع وتدمير بيوت كثيرة بسبب مجمع الشياطين هذا .
حتي أن مناطق إشتهرت بأنها مُحافظة وصارمة فيما يتعلق بملابس المرأة - صغرت أم كبرت - وبتوقيتات وأعذارخروجها من منزلها وبكلامها مع الرجال ،شهدت زلازل ما كان لأحد أن يتخيل حدوثها لشدة وقوة التقاليد المرعية في هذه المناطق من آلاف السنين ، وهو ما جعلنا نظن أن هذه التقاليد أصبحت في دماء أصحابها وعظامهم وخلاياهم، ولم يستطع إحتلال ولا مستشرقون ولا مثقفون تربوا علي موائد الغرب أن يُحدثوا فيها ما أحدثه النت .
وربنا عز وجل لما قال : (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا )"الإسراء - 32"حذرنا وشدد علي الإبتعاد ليس عن الزنا فقط بل عن مقدماته من نظر ولقاءات ومكالمات تليفونية وخلوة وإختلاط ومحادثات علي الخاص وغيره . وهو نفس ما حذر منه آبانا آدم وأمنا حواء عليهما السلام عندما قال لهما : (..وَلَا تَقْرَبَا هذهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ )"البقرة -35" أي اجعلوا المسافة بينكما وبينها مقطوعة ودائمة لعلم الله عز وجل أن الإنسان بطبعه مُنجذب بفعل نفسه الأمارة بالسوء وشيطانه الرجيم وهواه إلي ما يُفسده ويُهلكه ، بل ربما يتجاسر ويُجادل بأن فعله صواب ورأيه سديد،وأن الأمر بسيط لا يستدعي تعقيدا ولا تشددا .
كل ذلك بفعل تزيين الشيطان : (..وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )"الأنعام -43" . ولعل هذا ما دفع سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه من منطلق فهم وتدبر القرآن الكريم وسنة النبي صلي الله عليه وسلم أن يقول : (أعوذ بالله أن أزني أوأرتكب كبيرة في الإسلام ) فقيل له يا أبا هريرة :أمثلُك وأنت في هذا العمر ( شيخ كبير ) يخشي علي نفسه من الزنا ؟ فكانت الإجابة الإيمانية المستوعبة لدينها وطبيعة النفس البشرية وضعفها : ( أوليس إبليس حي؟ ) . طالما أن إبليس لم يمت وطالما أن الإنسان ضعيف فلا أمان من الفتنة حتي يخرج آخر نفس.
ولما غابت عنا هذه المعاني تساهلنا في النظر إلي الصور علي النت فتحول التساهل إلي عادة قل معها الحياء ومراقبة الله عز وجل في السر والعلن ، تحولت العادة سريعا إلي إدمان قد يُفضي إلي ما هو أعظم وأخطر ألا وهو الوقوع في الرذيلة التي هي في النهاية دقائق معدودات يعقبها ألم وحسرة وعذاب لا نهاية له .وحقا وصدقا - كما قال أحد الصالحين:( من عصي الله عز وجل فهو مجنون ) . وحقا وصدقا فقدت عقلها أوفقد عقله من اقترب من مجمع الشياطين - اقتراب الحيوانات الجائعة والنفوس النهمة للحرام والذئاب المتلهفة لأكل أي وكل لحم - ظنا منه أومنها أنه معصوم أوأنها لن تقع في حبال وشباك من قال لربه عز وجل : ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )"ص - 82" ثم استثني : ( إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )"ص - 83"وهؤلاء قليل قليل كالشعر الأبيض في جسد الثور الأسود.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف