الأهرام
يوسف القعيد
إسماعيل ياسين فى بيت عبد الناصر
اكتشف وجود كتاب فى مكتبتى، تاه من ذاكرتى متى اشتريته؟ الكتاب عنوانه: الغباء السياسى: كيف يصل الغبى إلى كرسى الحكم؟!. مؤلفه كاتب شاب عرفت شبابه من صورته هو محمد توفيق. عند تصفح فهرس الكتاب اكتشفت أن فى الفصل الرابع منه: استثمار الغباء جزءاً جاء تحت عنوان: إسماعيل ياسين فى بيت عبد الناصر. تركت الكتاب وقرأت الفصل الذى يقع على صفحات من 105 إلى 109. وهى طريقة غريبة فى قراءة الكتب. حتى الكلمة التى يقدم بها أحمد رجب الكتاب ومطبوعة على الغلاف الخلفى، اكتشفتها بعد قراءة الفصل. وللنفس أسبابها ودوافعها التى تجعلنا نتصرف هكذا.

يحكى الكتاب أن الرئيس عبد الناصر كان يخصص يوم الجمعة لمشاهدة أفلام إسماعيل ياسين. وكانت هناك مجموعة من العاملين فى التليفزيون اختصهم الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإرشاد آنذاك لتجهيز فيلم إسماعيل ياسين، والذى يتكون من أكثر من 15 علبة تحملها مجموعة من التليفزيون إلى بيت الزعيم عبد الناصر بمنشية البكرى، ليلة الخميس أو صباح الجمعة.

اعتمد الكاتب فى كتابته على مقال منشور فى مجلة الكواكب، كتبه صلاح البيطار، عنوانه: إسماعيل ياسين فى بيت عبد الناصر. فى 21 مارس سنة 2000، كان الرئيس عبدالناصر يريد مشاهدة فيلم: إسماعيل ياسين فى الجيش. ووجد مسئول التليفزيون أن هناك علبتين مختفيتين، وانقلبت الدنيا بحثاً عنهما لإرسال الفيلم كاملاً إلى عبد الناصر. وأعلنت همت مصطفى، رئيس القناة الأولى، الطوارئ فى التليفزيون بحثاً عن العلبتين الضائعتين. حتى وجدتهما وأرسلت العلب كاملة إلى بيت الرئيس.

وهكذا عرف الجميع إعجاب وولع عبد الناصر بأفلام إسماعيل ياسين. الذى قدم ستة أفلام تدور حول الجيش، دفع عرضها الشباب إلى التطوع فى أسلحة الجيش المختلفة. بل إن عبد الناصر حضر بنفسه حفل افتتاح فيلم: إسماعيل ياسين فى الجيش سنة 1955. أى بعد عام واحد فقط من رئاسته.

كان عبد الناصر يحرص على مشاهدة أفلام إسماعيل ياسين كل يوم جمعة، مهما تكن الظروف السياسية. والأفلام الستة التى مثلها إسماعيل ياسين الذى كانوا يقولون عنه فى ذلك الوقت: سمعة. كانت تدور أحداثها فى الجيش أو الطيران أو الأسطول أو البوليس الحربى أو البوليس السرى أو البوليس. كان البطل يتسم دائماً بالسذاجة المفرطة وربما الغباء. لكن بعد نجاحه فى سلاحه ومهمته المكلف بها يصبح ذكياً وفاعلاً فى وطنه.

ينقل الكاتب عن عمنا وتاج رأسنا محمود السعدنى ما كتبه عن إسماعيل ياسين:

- بدأ إسماعيل ياسين رحلة حياته العجيبة، لم يكن يحلم بأكثر من أن يكون مونولوجستاً، يُضْحِكْ المعازيم فى الأفراح والليالى الملاح. لكنه بالصدفة صار أشهر مونولوجست فى مصر. وصارت له مدرسة وأصبح له أتباع. ثم بالصدفة أيضاً دخل السينما وصار بين الممثلين. ثم بالصدفة أيضاً أصبح بطلاً، ثم أصبح البطل الوحيد فى السينما المصرية على مدى أكثر من خمسة عشر عاماً. واستطاع أن يفرض اسمه على شباك التذاكر وعلى الموزعين. ثم صار بعد ذلك هو اسم الفيلم: إسماعيل ياسين أولاً، ثم يبدأ البحث عن اسم الفيلم.

إسماعيل ياسين فى البحر، إسماعيل ياسين فى البر، إسماعيل ياسين فى الأرض. ليس مهم أين يوجد؟ أو أين يستقر؟ ولكن المهم إسماعيل ياسين فى الأول. ثم بعد ذلك فليكن ما يكون. بالمناسبة محمود السعدنى كتب هذا الكلام سنة 1967. وهى سنة لها ظلالها الكثيرة.

استشهدت بما جاء فى الكتاب عن الفنان إسماعيل ياسين. وإن كنت أختلف مع محمد توفيق مؤلف الكتاب فيما ذهب إليه من أن دولة عبد الناصر استغلت صورة البطل الغبى التى يقوم بها إسماعيل ياسين من أجل أهداف سياسية معينة كانت فى أمس الحاجة فى وقتها. وعندما تم لها ما أرادت جرى الاستغناء عنه.

فما زالت أفلام إسماعيل ياسين حتى الآن عندما تعرض يقبل عليها الناس. ويضحكون من أعماق قلوبهم، على الرغم من أنهم شاهدوها أكثر من مرة من قبل. كان فناناً تلقائياً يصل إلى قلوب الناس بسهولة وسرعة، وقد رأيته مرة واحدة فى حياتى عندما أتى به إلى دمنهور وجيه أباظة أهم محافظ فى تاريخ البحيرة حتى الآن ليحضر مؤتمراً أقيم عن الشاعر ابن البحيرة: أحمد محرم. على الطبيعة اكتشفت أن الرجل لا يختلف فى أى شىء عما نراه على الشاشة. ولذلك عندما دعيت لحضور افتتاح دار سينما فى السويس تحمل اسم إسماعيل ياسين. ذهبت وعدت فى نفس اليوم، وحضرت افتتاح السينما. وأعتقد بصرف النظر عن أى استخدام سياسى له أنه فنان حقيقى أعطى الفن كل ما يملك أن يعطيه. صحيح أن الدنيا استدارت والشهرة تراجعت وذهب إسماعيل ياسين فى أخريات عمره للمشير عبد الحكيم عامر ليتم علاجه على نفقة الدولة. ولكنها طبيعة الأمور. قد يسأل القارئ ما الذى ذكرنى بإسماعيل ياسين الآن؟ رغم صدفة عثورى على الكتاب. لا أستطيع أن أنكر أن ما قاله الفنان الشاب محمد رمضان عن إسماعيل ياسين قد آلم كثيراً من المصريين وأنا واحد منهم. خصوصاً أنه حاول وضع إسماعيل ياسين فى مواجهة جيشنا العظيم. ولم يعرف أن إسماعيل ياسين كان يخدم النهضة المصرية الطالعة وقتها بتمثيله لمثل هذه الأدوار فى الأفلام التى قام بها. رأيت محمد رمضان عندما شاهدت مسرحيته: أهلاً رمضان. وتصريحه الذى قلب الدنيا أكد لى انطباعى الأول أن محمد رمضان الفنان يؤثر عليه سلبيًا محمد رمضان الإنسان. وأن الأمر يحتاج لفرملة. وإلى إدراك أهمية الوعى بالنسبة للفنان إن كان صاحب المشروع. وليس الفنان الذى يلعب دوراً بالصدفة. يلمع بسرعة وينطفئ بنفس السرعة.

عطر الأحباب:

كثير من الأصدقاء تواصلوا معى بعد مقال الأسبوع الماضى. اعترضوا على ما كتبته. كيف أُحَمِّل المواطن التبرع للدولة حتى نعوِّض ما جرى لنا بعد ما فعله الأمريكان بالمعونة؟ لا أقول معهم حق. لكنها مسئوليتنا جميعاً، الغنى قبل الفقير. لكن المشكلة أن الفقير يلبى أسرع من الغنى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف