الوفد
م. حسين منصور
متى نعرف؟
فى كتابه بونابرت فى مصر، يذكر كاتبه كريستوفر هيرولد عن الأسطول القهار الذى شكل قوام الحملة الفرنسية على مصر أنه يضم 13 بارجة تحمل فيما بينها 1026 مدفعًا و42 فرقاطة ومركبا خفيفا وزورق بريد وعلى ظهر هذه السفن والناقلات نحو 17 ألف جندى ومثلهم من الملاحين وجنود البحرية وأكثر من ألف قطعة مدفعية و100.000 قطعة ذخيرة و567 عربة و700 حصان وسوف ينضم لهذا الأسطول ثلاث قوافل تلتقى معه فى وجهته الأخيرة ليبلغ بها مجموع الرجال زهاء 55000 ومجموع السفن 400... وصحب نابليون 27 من الضباط القادة من 31 اختارهم وكان 25 منهم أكبر منه أى من القائد الأعلى سنًا وأربعة أصغر منه وكان متوسط أعمارهم 38 عامًا.
< تلك المعلومات المتوفرة التى يسوقها الكاتب ليدلل بها على استنتاجات وفهم لما فعل نابليون تكاد تكون بالغة الغرابة بالنسبة لنا نحن المصريين، فلم نعتد قط على تلك الدقة البالغة فى الأرقام والتفاصيل ودلالتها وإمكانية قراءة المشهد طبقًا لتلك المعلومات.. ويكاد يكون تاريخنا لا سيما القريب يفتقر بشدة لتلك الحساسية الرقمية والايضاحات حتى اننا لا نعلم تحديدًا تكلفة مشاريعنا القومية الشهيرة وطرق الإنفاق والاقتراض والتسديد والارباح الناتجة، فلا توجد معلومات واضحة عن تكلفة إنشاء السد العالى ومراحل الإنشاء.. تكلفة إعادة تعمير مدن القناة والمنح والمساعدات المقدمة لها.. تكلفة قناة السويس الجديدة وأعمال ترسية عقود المقاولات والأعمال الخاصة بها..!!
< فى كتابه التاريخى الضخم المثير يتناول الاستاذ دونالد مالكولم ريد تاريخ جامعة القاهرة وإنشاءها وترتيب بناء الأقسام بالكليات والصراع الإنجليزي الفرنسى للسيطرة على مقاليد التعليم عبر تعيين أساتذة الكراسى للمواد بالكليات، وتداخل الصراع السياسى والاجتماعى مع مسيرة بناء الجامعة، وتضافر القوى الوطنية والشخصيات العامة المهمة فى هذا الشأن، فعرض الكتاب ببساطة الصراع السياسى والاجتماعي الدائر فى المجتمع فى فترة النصف الأول من القرن الماضى، فعرض قضايا استقلال الجامعة وطرد طه حسين واستقالة لطفى السيد ثم عودة طه حسين ثم حركة 23 يوليو والجامعة وموقف الوزير كمال الدين حسين.
< وفى هذا الصدد أصدر الدكتور رؤوف عباس كتابه "تاريخ جامعة القاهرة" وعرض لتطور التعليم وتاريخ إنشاء الكليات والأقسام وتطورها، وعرض أيضًا التاريخ السياسى للجامعة وارتباطه بالتاريخ الوطنى وتعرض لمسألة علاقة يوليو بالجامعة واستقلالها.. ولم يتوقف كثيرًا على طبيعة الصراع الاستعمارى على مقاعد الجامعة، ولكن المدهش أن مؤلف الدكتور رؤوف عباس كان بتكليف من د. نجيب حسنى رئيس جامعة القاهرة فى بادرة لافتة لحفظ تاريخ الوطن والتدقيق والبحث والتأمل تجاه الوقائع والحوادث المختلفة المصاحبة لإنشاء وتطور الجامعة.
< فى بلادنا لا يعرف الطلبة ولا الأفراد العاديون أى معلومات جديدة عن بلادهم، ففى مصر عشرات الوزارات وكل وزارة يتبعها اكثر من عشر هيئات مثل وزارة المواصلات تتبعها هيئة سكك حديد مصر وشركة الاتصالات وهيئة الموانئ.. وزارة الاسكان تتبعها الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحى وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.. الخ من الوزارات والهيئات وتاريخ بلادنا مرتبط بنمو وتطور تلك الهيئات وقدرتها التنفيذية على الاداء وفى قراءة تاريخها ما يفسر ويشرح تطور التاريخ الوطنى للبلاد.. فليس معقولاً ولا مفهومًا ألا نعرف شيئًا عن سكك حديد مصر وتطورها والجهات الفنية التى أنشأتها وتطور الجهاز الفنى والإدارى بها وهذا الحديث ينطبق على هيئة كهرباء مصر وتطورها من الإضاءة بغاز الاستصباح إلى الكهرباء.. وكذا هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية.
< فى ظل الشمولية والاستبداد، تختفى المعلومات ويصبح الجميع أسرى الرئيس.. اختفاء تاريخ بناء الوطن بفروعه وحواشيه المختلفة بقطع الصلة بين المواطن وبين تاريخه وانتمائه ويغلق باب المساءلة والبحث ويجعل رؤساء الهيئات بمنأى عن الحساب والمراقبة وكيف تدهورت الأحوال إلى ما وصلنا إليه، ويجعل الوطن مجسدًا فى شخص واحد رغم أن الوطن هو الجميع.. جميع العاملين عليه والمسئولين عن فروعه المختلفة.. لمعرفة تاريخ بلدنا هي ضوء كاشف للحقيقة وفتح أبواب حق الحساب والرقابة والوجود الشعبى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف