بالطبع نسعد جداً عندما نقرأ عن الاكتشافات الأثرية الجدية، سواء فى القاهرة أو الجيزة أو فى الأقصر، كانت تعود لأسر متأخرة أو متقدمة، ونسعد أيضاً عندما نقرأ عن ترميم بعضها ونقله إلى المتاحف أو المخازن، فهو فى النهاية يعد إضافة إلى الثروة الأثرية المكتشفة.
هذه الاكتشافات القيمة لن تكون لها قيمة ونحن نتعامل معها كأنتيكات، تعرض فى المتاحف أو تلف العالم فى معارض، صحيح عرضها يوفر دخلاً للخزينة المصرية بالعملة الأجنبية، وصحيح تعد سفيراً غير ناطق لتاريخنا وحضارتنا القديمة، لكن فى ظنى أن القيمة الحقيقية لهذه المكتشفات تكون فى ترجمة الرسومات والكتابات الموجودة عليها من المصرية القديمة إلى العربية، وإعداد موسوعة من المدونات حسب فترتها الزمنية.
قبل عشرين سنة كنت أقرأ فى التوراة، ولفت انتباهى مصطلح « البكورية»، حاولت بقدر المتاحة الوقوف على دلالة المصطلح، وبعد فترة من قراءة النصوص التوراتية، وبعض المراجع، اكتشفت أن البكورية هى منظومة دينية ودنياوية، واتضح أيضاً أن هذه المنظومة نقلت حرفياً من الحضارة المصرية إلى الديانة الموسوسة، تماماً مثل العادات والعبادات التي قننتها الديانة الإسلامية من الحضارة والبيئة التي نزلت فيها.
واتضح ليّ أن البكورية هي آلية لتوريث النبوة، والكهنوت، ورئاسة الأسرة للابن البكر، حيث تنتقل إليه التركة من والده فى حياته، وقبل وفاته ينقل إليه الرئاسة الروحية، يقوم بمباركته، ومنحه القدرة على التبريك وعلى اللعن، بعدها يكون الابن البكر مهيئاً لأن يكون فم الله.
وكان من الطبيعي بعد أن وقفت على بعض ملامح دلالة البكورية التوراتية، أن أنتقل في بحثى من النص الديني إلى نصوص حضارة المنطقة التي عاش فيها الأنبياء الآباء، «إبراهيم»، و«إسحق»، و«يعقوب»، و«يوسف»، و«موسى»، وأرى إن كانت البكورية صناعة توراتية أم بنت بيئتها وزمانها.
جمعت أغلب المراجع فى الشرق الأدنى القديم، واكتشفت أيامها انها تقوم على قراءة الغير، وهذا الغير هو الباحث الفرنسي، أو الألماني، أو الإنجليزي، وأن الباحث المصري أو العراقي أو السوري أو اللبناني، أو الفلسطيني يتبنى رؤية من يعتمد عليه، واتضح أيضاً أن المكتبة العربية، رغم وجود كليات وأقسام متخصصة منذ سنوات طويلة، تخلو تماماً من موسوعة بالعربية تتضمن نصوص المكتشفات حسب عصرها وأسرتها، والنصوص التى اعتمد عليها الباحثون للأسف ترجمت من لغة وسيطة، الإنجليزية، أو الفرنسية أو الألمانية، وليست من المصرية القديمة إلى العربية.
بعد سنوات من البحث عن نصوص، نجحت بقدر المتاح فى إنهاء بحثي أو كتابي عن البكورية فى المجتمع التوراتي دراسة فى ديانة الشرق الأدنى القديم، وكانت المفارقة فى ان نظام البكورية كان ابن حضارة المنطقة، ونقل حرفياً إلى الديانة الموسوية،
المؤسف فى الأمر أن تكون الحضارة من صنيعة أجدادنا، والمكتشفات تجرى على أرضنا، وفى النهاية ينقل الأجانب المدونات ويترجمونها إلى لسانهم، ونحن ننقلها إلى العربية عبر لغاتهم.