هل معظم شبابنا الآن يفضلون الدراسات النظرية.. ويبتعدون ما أمكن عن الدراسة بالكليات العلمية والعمالية.. وهل ذلك لأن هؤلاء كل ما يطلبونه هو مجرد شهادة جامعية.. بعد أن طالت طوابير خريجى الكليات العلمية ووجدنا أطباء (!!) وصيادلة.. وأيضا مهندسين يرتادون الكافيتريات ويعملون جارسونات أو فى محطات البنزين..
وانخفاض الطلب على خريجى الكليات العملية هو السبب الثانى لابتعاد شبابنا عنها.. وبات الهم الأول لشبابنا هو الحصول على شهادة جامعية.. أى شهادة.. والأسهل هو الأكثر!! هنا نطلب إحصائيات عن تصاعد عدد خريجى الكليات النظرية مقارنةً بانخفاض عدد خريجى الكليات العلمية. بل اشتكى لى بعض أساتذة كليات العلوم من انهيار- وليس فقط انخفاض- عدد من يطلبون الالتحاق بها رغم أنها- هى- الكلية الأم والأساسية التى كان طلبة الطب والصيدلة والطب البيطرى زمان يشاركون طلبة العلوم فى مدرجاتهم.. لأن العلوم.. هى نفس العلوم.
<< وليس سراً أن هناك أعداداً كبيرة من خريجى كليات الطب والصيدلة لا يجدون عملاً.. ومنهم من يقبل بل ويرحب بالعمل كمندوب مبيعات لدى الشركات العاملة فى هذين المجالين.. فهذا أفضل من ألا يجدوا عملاً على الإطلاق. فهل الأفضل لهؤلاء مثلا الآن عودة نظام تكليف الأطباء والصيادلة والقبول- بعد ذلك- للعمل فى عيادات القرى والنجوع.
وهل ضاع حلم «الخمسة عين» الذى كان يحلم به كل طالب يدرس الطب.. أى تحقيق حلم: العيادة.. العروسة.. العربة.. العمارة.. العزبة.. وهو ما كان سائداً فيما مضي.. ونفس الوضع بالنسبة لخريجى الصيدلة إذ أصبحنا نجد بين كل صيدلية وأخري.. صيدلية ثالثة ولم نعد نتمسك بمسافة كافية بين الصيدليات، كما كان ينص فى القوانين القديمة..
<< وإن نفس المأساة تنطبق الآن على نظام التعليم المفتوح أمام طلبة الدبلومات والثانوية العامة والصناعية والزراعية.. لكى يحصلوا على «شهادة» أنه أو أنها.. خريجة جامعة.. وهكذا وجدنا المئات، بل والآلاف، التحقوا بالتعليم المفتوح فى مجال كليات الإعلام وأقسام الصحافة لكى يصبحوا صحفيين!! وتلك قضية خطيرة مطروحة الآن داخل نقابة الصحفيين.. رغم انخفاض الطلب ليس على هؤلاء فقط.. ولكن على خريجى الكليات من المنتظمين!!
<< فهل نملك شجاعة اتخاذ قرار بإيقاف القبول بالكليات النظرية لمدة 5 سنوات على الأقل إلى أن تمتص سوق العمل ما هو زائد على المطلوب فى السنوات الأخيرة.. سواء كليات الآداب والحقوق والتجارة.. بل والألسن والخدمة الاجتماعية.. وأيضاً كليات التربية. وبالمناسبة هل تعرف الحكومة المصرية أن بولندا مثلا- وهى من الدول المتقدمة فى شمال شرق أوروبا أغلقت هذه الكليات النظرية لمدة ثلاث سنوات لتواجه هذه المشاكل؟!
<< أم أننا فعلاً «بلد شهادات» ليس فقط أمام راغبى الزواج.. ولكن حلم الشهادة الجامعية ما زال يداعب أحلام البنات والشبان على السواء وأن يقابل الاتجاه بالإغلاق التوسع فى إنشاء المدارس والمعاهد الفنية صناعية وزراعية وتكنولوجية.. لأن المستقبل هو بالفعل لخريجى هذه الدراسات وأمامنا تجربة معاهد «مبارك- كول» الرائدة لتوفير المطلوبين للعمل مثلاً فى قطاع تكييف الهواء.. وفى ميكانيكا السيارات..
مطلوب تغيير أساسى فى الفكر التعليمى.. وإذا كان الشباب سيرفض هذا الاتجاه.. فإن توفير فرص العمل لخريجى المعاهد الفنية كفيل بإقناع الشباب.. والسوق وحده هو الذى يقنع هؤلاء..