الأهرام
أنور عبد اللطيف
الأهرام.. ولعبة شريف ورياض
فى عدد تاريخى للأهرام أجد العجب: متى قعدت البلاد عن القيام بلوازم أهلها، فبشرها وبشرهم إما الفقر المدقع والخمول وإما المهاجرة والسكون على طريقة الشاعر:

سافر تجد عوضا عمن تفارقه/ وانصب فإن لذيذ العيش فى النصب، فالأسد لولا فراق الغاب ما قنصت/ والقويس لولا فراق القوس لم يصب.

كان هذا هو نص تلغراف ورد إلى الأهرام من لندن فى ٢٩ ديسمبر عام ١٨٨٠: تحت عنوان «أيرلندة» حرض الأهرام المصريين بشكل غير مباشر على الثورة، باستشهاده بأبيات من شعر الإمام الشافعى تحض على هجرة حياة الخمول والمسكنة، بعد أن أمست أفكار انكلترا دائرة فى فجور فى مواجهة مطالب حركات أيرلندة، التى اندلع لهيب لسان الثورة فيها، لمواجهة بطش حكومة جلادستون ــ على أمل نوال الحرية،ولكن دون جدوى فالأيرلندى مثل المصرى يتعلق بأرضه وبلاده فيكره المغادرة والمهاجرة ،لكن الهجرة صارت أولى له مادامت الأرض لا توفيه حقه ولوازمه .

وفى تاريخ مصر كانت وزارة شريف رمزا للعدالة ومسئولية الوزارات أمام المجلس النيابي ومناصرة الحركة الوطنية بينما كانت وزارة رياض الذي نشر هذا التلغراف فى عهده رمزا للاستبداد وعودة مبدأ المسئولية الوزارية ليحل محل المسئولية أمام مجلس شورى النواب ثم كان أن التقت المطالب الوطنية بالمطالب العسكرية تحت حركة واحدة فيما سميت بعد ذلك بحركة عرابى التى نحتفل بذكراها هذه الأيام. ضد وزارة رياض الذى كان عهده نموذجا للعهود التى تهيأ فيها الأمن لاندلاع الثورات ، فتكون فى نفس كل أمرىء وجماعة وفئة ثورة ، وإن لم تدر على وجه التحديد ما بواعثها.والطريف أن شرارات الثورات المصرية الخمس عبر مائة وأربعين سنة ولدت فى حضانات استبدادية متشابهة الظروف أولها: سياسة حكومات جرت على مصر العسر والدين، وثانيها:ضياع هيبة الحاكم أمام نفوذ الأجانب والأغنياء. وكانت هذه من الأسباب التى وفرتها حكومة رياض باشا لثورة العساكر فى ٩ سبتمبر ١٨٨١ تتشابه مع ظروف تقاعس حكومة حسين رشدى فى إقناع المندوب السامى بسفر سعد زغلول ورفاقه الى باريس لعرض قضية استقلال مصر وهى نفس الحالة من الإحباط واليأس التى توافرت لقيام ثورة 25 يناير 2011 بعد سلسلة الأزمات المتلاحقة فى رغيف العيش ومياه الشرب والطاقة والعلاج والتعليم، والتى فشلت منذ عام 2005 حكومة رجال الأعمال برئاسة الدكتور أحمد نظيف سواء فى إيجاد حلول لأزمات المواطنين أو فى وقف انهيار ثقة المصريين فى هيبة الدولة ،ولا يخفى على أحد حجم المرارة من سطو الإخوان على الثورة وهيبة الدولة و(طظ فى مصر) والتى قادت إلى ثورة ٣٠ يونيو 2013

عودة إلى العدد التاريخى الذى صدر الخميس 30 ديسمبر 1880 هو اليوم الأخير فى حياة الاهرام كجريدة اسبوعية أنقل منه حسابا ختاميا للميزانية العمومية، قدمته حكومة رياض رئيس مجلس النظار وناظر المالية:

الايرادات 8619431 جنيها مصريا والمصروف لجزية الأستانة 681486ج م،لخدمة الدين 3788840 للعائلة الخديوية 315000 للمعية السنية 41822 لمجلس النظار 8933 للخارجية 13162 للمالية 581480 للجهادية 368000 للبحرية 54734 .. و.. والى أن يصل مجموع ميزانية المصروف 8308870 فتزيد الايرادات 310551 منها 110551للاستهلاك والباقى قدره 300 الف جنيه يحفظ خيفة النقص فى التخمين!

.....

وفى يوم الاثنين 3 يناير فى اليوم الثالث بعد تحول الأهرام الى «جريدة يومية سياسية تجارية أدبية فكاهية».. بعد ان كانت «صحيفة أسبوعية تصدر كل خميس» شهدت الأهرام تحولا من نوع جديد فيما سمته تحسين الجريدة وانتهاجها منهج الجرائد الغربية ويبسطها الأهرام لقرائه : ولايكون هنالك توجيه لوم أو اعتراض بسبب التغيير فى طريقة الكتابة، الذي شرحه بصفحته الأولى:

أولا: نغادر ألفاظ النعوت الشخصية عند ذكر الأشخاص مكتفين بإثبات التحديد الرسمى المعين للرتب فقط فنشير الى صاحب الرتبة الثالثة بلفظ رفعتلو والثانية عزتلو والأولى سعادتلو ورتبة المشيرية فنشير لها دولتلو دون اثبات ألفاظ أخرى وصفية كالوطنى النزعة والهمام والنبيه والوجيه وما شاكل.ثانيا:نضع أسماء المسافرين او القادمين الينا من ركاب الدرجة الأولى والثانية دون ذكر الألقاب والنعوت. ثالثا:نضع ـ أى نترك ـ أسماء الذين يتوجهون من الاسكندرية الى المحروسة أو يقدمون منها الينا الا أسماء البشوات والقناصل وألويس القناصل ورؤساء المصالح. رابعا:ليس لرسائل المدح عندنا نصيب ولاللطعن المتعلق بالشخصيات لا بالوظيفة ... وهذه الأسس المهنية ماتفتقده الصحافة هذه الأيام، وهو مايسمى بالإستايل بوك «style book» للصحيفة الذى يحدد القواعد الأساسية فى الكتابة، وكأن الأهرام يستأذن قارئه فى وضع هذا الميثاق للتأكيد على أن القارئ هو المالك!وليس السيف والسلطان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف