الدستور
ماجد حبته
صداع «المعونة».. و«واقع» النجم الساطع!
ضحكتُ حين قرأتُ أن «البنتاجون» أصلح ما أفسده «الكونجرس» الأمريكي. ولعلّك لاحظت أنني امتنعت عن التعليق على ما تردد بشأن خفض جزء من المعونة وتجميد جزء آخر، منذ تم تسريب معلومة إلى وكالة «رويترز»، قبيل ساعات من زيارة وفد أمريكي رفيع المستوى برئاسة جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، وزوج ابنته «إيفانكا».



ما أضحكني هو عجزي عن إيجاد أي رابط بين النقاشات الدائرة هناك، بشأن المعونة، وبين استئناف مناورات النجم الساطع بعد توقفها منذ عام ٢٠٠٩، إذ لم تتوقف التصريحات الأمريكية قبل وبعد وصول «ترامب» للحكم عن محورية دور مصر في المنطقة، ولا عن جهودها في مكافحة الإرهاب ودورها في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين. كما لم يتوقف الجانب المصري عن تأكيد حرصه على علاقات التعاون والصداقة التي تربطه بالولايات المتحدة. ولاحظ أنه لا يوجد إلى الآن أي كلام واضح أو محدد عن أسباب القرار المحتمل بخفض المعونة.



تسريب المعلومة إلى «رويترز» صاحبه استنتاج أو تفسير نسبته الوكالة إلى مصدرين، قالت إنهما مطلعان، رفضا الإفصاح عن هويتيهما، بأن السبب هو «عدم إحراز تقدم على صعيد احترام حقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية»، وأن «مسئولين أمريكيين أعربوا عن عدم رضاهم بشأن إقرار قانون جديد للجمعيات الأهلية». وبعدها، توالت الاستنتاجات والتفسيرات، التي كان من بينها ما تردد، ونشرته بعض الصحف عن استياء أو قلق الولايات المتحدة من تعاون مصر مع كوريا الشمالية!.



في الموجز الصحفي اليومي لوزارة الخارجية الأمريكية، ٢٥ أغسطس الماضي، سأل أحد الصحفيين المتحدثة باسم الوزارة هيذر نويرت عن تقرير لصحيفة «واشنطن بوست»، أفاد بأن الدافع الحقيقي لتجميد جزء من المعونة إلى مصر هو بسبب تعاملها مع كوريا الشمالية، رغم حديث واشنطن عن أن التجميد بسبب أوضاع حقوق الإنسان. وردت المتحدثة باسم الخارجية بأن «ما أستطيع قوله عن هذا هو أننا تحدثنا كثيرًا عن قلقنا بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ووضعنا قائمة بالنقاط التي تقلقنا بشأن مصر والاتجاه الذي تسير فيه». وأضافت: «أما فيما يتعلق بكوريا الشمالية ومصر، فنحن نواصل العمل مع الحلفاء والشركاء، ومصر واحدة منهم».



«واشنطن بوست» هي نفسها التي نقلت أيضًا عمن وصفتهم بأنهم مسئولون أمريكيون أن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أبلغ نظيره المصري سامح شكري هاتفيًا بقرار وقف ١٩٥ مليون دولار من المعونات العسكرية التي تصل إلى 1.3 مليار دولار التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، وأن الولايات المتحدة قررت إعادة تخصيص معونات عسكرية إضافية تصل إلى ٥٦.٧ مليون دولار ومعونات اقتصادية أخرى قدرها ٣٠ مليون دولار إلى دول أخرى. وفي التقرير نفسه، نقلت الصحيفة نفسها عن المسئولين أنفسهم أن المعونات الموقوفة سيتم الاحتفاظ بها في حساب مصرفي حتى تبدي مصر بعض التقدم في «الأولويات الرئيسية» مثل حقوق الإنسان والقانون المنظم للجمعيات الأهلية!.



الكلام كما ترى، يخاصم بعضه، ويمكن وصفه بأنه مجرد «تلويش»، يضاف إلى ما خرج من ماسورة التحليلات الخيالية التي انفجرت هنا، ووصول الأمر حد أن أعلنت نائبة برلمانية أن المعونة الأمريكية حق للمصريين «وفقًا لبنود اتفاقية كامب ديفيد»، وطالبت الخارجية المصرية بأن يكون لها «موقف دولي وقانوني قوي، وفق بنود التحكيم الموجودة في الاتفاقية نتاج الإخلال بأي بند من بنودها». وبغض النظر عن أن اتفاقيتي الكامب، كانتا تمهيدًا لـ«معاهدة السلام» وأصبحتا هما والعدم سواء (أي لا وجود لهما في الوجود) في ٢٦ مارس ١٩٧٩، أي يوم توقيع المعاهدة. بغض النظر عن ذلك، فإنك لو عدت إلى المعاهدة (لا إلى الاتفاقية) فلن تجد أثرًا لما تخيلته النائبة أو توهّمه آخرون، طرحوا تصورات شبيهة وربما أكثر كوميدية!.



كل الاحتمالات واردة طبعًا، ومنها احتمال أن يكون التلويح بالقرار «كارت» أو أداة ضغط على الحكومة المصرية، سواء بسبب تضييقها على جمعيات أهلية تعمل لصالح أجهزة ومؤسسات أمريكية أو بسبب علاقات مع كوريا الشمالية. لكن علينا ألا نتجاهل أيضًا أن «ترامب» وصل إلى الحكم وهو يرفع شعار «أمريكا أولًا»، بينما كان في أدراج مجلس الشيوخ الأمريكي مقترح تم تقديمه في ١٧ يونيو ٢٠١٤، بخفض المعونة العسكرية الأمريكية لمصر من ١.٣ مليار دولار سنويًا إلى مليار دولار فقط. والأهم من كل ما سبق، هو أنه فعليًا، أو واقعيًا، لا يوجد أي قرار نهائي بشأن المعونة.



فعليًا أو واقعيًا، ما زال الكونجرس الأمريكي في مرحلة التداول الداخلي بين غرفتيه أي بين مجلسي النواب والشيوخ، حول قانون الاعتمادات الخارجية لميزانية عام ٢٠١٨، إذ كانت لجنة العمليات الخارجية بمجلس النواب قد أقرت نسختها من مشروع القانون متضمنًا المخصصات الخاصة ببرنامج المساعدات العسكرية والاقتصادية في ميزانية ٢٠١٨ دون أي تخفيضات. بينما رأت اللجنة المناظرة في مجلس الشيوخ غير ذلك، وطالبت بإدخال تخفيضات على البرنامج. ووفقًا للإجراءات المتبعة هناك، فإن القرار لن يصدر إلا بعد انتهاء المداولات أو النقاشات بين مجلسي الشيوخ والنواب.



الخلاصة هي أننا أمام واقع يقول إن مناورات النجم الساطع تم استئنافها، بعد ثماني سنوات من التوقف، ولا معنى لربطها بقرار محتمل بخفض المعونة، تتساوى فيه نسبتا الموافقة عليه أو رفضه، ولن يرجّح إحداهما على الأخرى إلا تقييم أعضاء الكونجرس لوزن مصر الإقليمي وقدراتها وتأثيرها في المنطقة، وجدوى المساعدات بالنسبة للمصالح الأمريكية، ولا ينفي ذلك طبعًا، تبعية قرار بعض الأعضاء لجماعات ضغط.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف