إن كنت من متابعى مواقع السوشيال ميديا كـ«فيس بوك أو تويتر»، فبالتأكيد قد شاهدت أو صادفت شجارًا أو اثنين على الأقل بخصوص قضية الحجاب، وأقول شجارًا لأن للأسف نادرًا ما تجد على مواقع السوشيال ميديا نقاشاً هادئا بين آراء مختلفة، وفيما يخص الحجاب يبدأ الأمر بمجرد نقاش ثم ينتهى بشجار وسباب ولعان وتكفير للأسف.
تبدأ عادةً هذه النقاشات أو المشاجرات بسبب خبر عن خلع فنانة أو مذيعة أو حتى مجرد شخصية عامة للحجاب، فيقوم الناس بالتعليق بين مؤيد ومعارض ويندمج الناس فى الحديث لساعات وكل منهم يحاول أن يثبت صحة وجهة نظره ويقوم كل طرف بالاستشهاد بأحاديث وآيات تخدم وجهة نظره، ولا أحد يقتنع فى النهاية إلا بما يراه.
ولكن هناك بعداً آخر لقضية الحجاب يغفل عنه هؤلاء المتشاجرون حول فرضية الحجاب من عدمها، ذلك البعد لا علاقة له بالحلال والحرام أو جدلية هل هو فرض أم لا - فلا أريد أن أتورط أنا أيضًا فى ذلك الجدل اللا نهائى.
فالشواهد والوقائع التاريخية تثبت مما لاشك فيه أن الحجاب فى مصر قد انتشر من بعد السبعينيات بدافع سياسى لا دينى ولا إيمانى، فبالتأكيد لم يدخل الإسلام مصر بعد السبعينيات، نعم فالحجاب فى مصر انتشر بدافع سياسى بحت وتم تسويقه للعامة على أنه فرض وواجب على المرأة المسلمة وما إلى ذلك.. فهل كان يغيب عن المصريين «بلد الأزهر» أن الحجاب فرض قبل السبعينيات؟ بالتأكيد لا.
دعنى أذكر لك بهدوء حيثيات طرحى هذا.. هناك حديث مشهور للقيادى الإخوانى عصام العريان يشرح فى إحدى الندوات بعد وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم عن طريقة انتشار الحجاب فى مصر، وسأنقل لكم كلامه حرفيًا فى السطور التالية وهذا المقطع موجود على موقع يوتيوب يمكن بسهولة مشهادته.
عصام العريان: «قصة الحجاب أنا حديكو مثالين عشان تعرفوا أو ثلاثة أو أربعة خلينا نتكلم أنا عايشهم ومعاصرهم نبدأ بمصر، أنا دخلت كلية الطب سنة 70-71 لم يكن فى دفعتى إلا زميلة محجبة وحيدة.. بدأنا ممارسة نشاطنا الإسلامى والدعوى ـ انتشر الحجاب دون إكراه، قمنا بتوزيع كتيبات مثل كتاب الشيخ البوطى «لكل فتاة تؤمن بالله» - طبعناه ووزعناه بسعر التكلفة، الناس قالت طب نجيب الحجاب منين مكنش فى محلات بتبيع الحجاب ولا كلام من ده خالص، قلنا طب نعمل إيه فى الورطة دى ـ الزميلات عاوزة تتحجب واقتنعوا خلاص ـ بدأنا نفكر ونبتكر حلولا نروح بورسعيد المنطقة الحرة بعد 73 نجيب أتواب قماش ونروح لناس ترزية ومصانع تفصل خمارات وبعناها بسعر التكلفة، ولم تمض 5 أو 6 سنوات حتى كان نصف أو ثلث الزميلات محجبات بالإقناع دون إكراه ـ ده كان مثال مصر».
هذا اعتراف أحد أهم قيادات الإخوان أنهم من عملوا على نشر الحجاب فى مصر، وكما هو معروف أن جماعة الإخوان جماعة سياسية لا يشغلها شاغل غير الوصول للحكم، وعملوا على مدار أكثر من 80 عاماً للوصول لذلك الهدف عبر تكتيكات عديدة لتغييب وعى وثقافة المصريين كان الحجاب أحدها، بعد مرورنا بتجربة حكم الإخوان لعام واحد لست فى حاجة لاثبت أنهم ليسوا جماعة دينية أو دعوية ولا يهمهم نشر التقوى والإيمان فى شىء، فلقد رأى الجميع مما لا يدع مجالا للشك أن لا هدف اسمى عند الإخوان من الوصول للحكم، واستخدموا الدين كوسيلة للسيطرة على عقول عامة الشعب وجعلوا الدين كحصان طروادة للوصول إلى حكم مصر ليس أكثر، وبالتالى لست فى حاجة لأبرهن على أن نشر الإخوان للحجاب كان بهدف سياسى وليس لهدف دعوى أو دينى على الإطلاق.
ولأوكد لك عزيزى القارئ أن انتشار الحجاب فى مصر كان لأهداف سياسية، عملت عليها جماعات الإسلام السياسى وأولهم وأهمهم جماعة الإخوان منذ عشرات السنين، إليك نص حديث الرئيس جمال عبدالناصر فى إحدى خطبه الشهيرة وموجود أيضًا على موقع يوتيوب، نقلت حديث عبدالناصر فى هذا المقطع حرفيًا كالآتى:
الرئيس جمال عبدالناصر: «فى سنة 53 كنا نريد فعلاً أن نتعاون مع الإخوان المسلمين على أن يسيروا فى الطريق الصحيح والطريق السليم، وقابلت المرشد العام للإخوان المسلمين وطلب مطالب، طلب إيه؟ أول حاجة يجب أن تقيم الحجاب فى مصر وخلى كل واحدة تمشى فى الشارع تلبس طرحة، «ضحك الجمهور المستمع فاضطر أن يصمت عبدالناصر»، وأتى صوت من بعيد بلهجة صيعدية، قائلاً: «خليه يلبسها هو» فأطلقت ضحكات الجماهير.. الحاضرة لخطبة عبدالناصر.. وأنهمر عبدالناصر فى الضحك من مفاجأة قول ذلك الرجل الصعيدى البسيط».
وأكمل عبدالناصر حديثه وسرده للحوار الذى دار بينه وبين المرشد، قائلاً: «فأنا قلت له إذا الواحد قال هذا الكلام حيقولوا رجعنا لأيام الحاكم بأمر الله إللى كان بيخلى الناس ميمشوش بالنهار ويشموا بالليل، وأنا فى رأيى إن كل واحد فى بيته هو إللى ينفذ هذا الكلام»، فقال لى: «لا باعتبارك الحاكم مسئول قلت له يا أستاذ أنت ليك بنت فى كلية الطب مش لابسة طرحة ولا حاجة، ملبستهاش طرحة ليه «فدخل الجماهير المستمعة لخطاب عبدالناصر فى موجة ضحك وتصفيق حاد».
وأكمل قائلاً: «إنت مش قادر تلبس بنت واحدة إللى هى بنتك طرحة عاوزنى أنا ألبس 10 ملايين طرح فى البلد»؟.
من هذين الحديثين للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وعصام العريان، يتضح لنا أن انتشار الحجاب فى مصر لم يكن بسبب صحوة دينية أو رجوع إلى شرع الله، لأن الدين لم يغب عن مصر منذ مهد التاريخ، فالمصريون أول شعوب الأرض عرفت التوحيد وأول الشعوب التى آمنت بأن هناك حياة بعد الموت وأن هناك بعثاً ودار آخرة وهناك حساباً وعقاباً ومدون كل ذلك على المعابد وداخل مقابر الفراعنة.
أضف إلى ذلك أننا بلد الأزهر الذى كان ومازال ينشر الدعوة الإسلامية فى كل بقاع الأرض، ومصر هى أول دولة تنشئ إذاعة للقرآن الكريم، وكان ذلك فى عهد عبدالناصر أيضًا، وكان هناك بالفعل تدين حقيقى يتجلى فى أخلاق ومعاملات الناس فجميعنا يترحم الآن على الزمن الجميل، فلم يكن هناك تحرش أو إيذاء للفتيات بالشوارع على الرغم من ارتدائهن أزياء غير محتشمة بمعايير هذه الأيام، ولكن النفوس كانت محتشمة والعقول والنفوس كانت أطهر وأنقى، لم يكن هناك كم الفساد الأخلاقى كأيامنا هذه على الرغم من انتشار مظاهر التدين من حجاب ولحية، ونفوس لا يعلم بها إلا الله.
فلا تتورط عزيزى القارئ فى مثل تلك المشاجرات التى نراها يوميًا على الحجاب وهل هو فرض أم لا.. فالحجاب فى مصر له أبعاد أخرى.