د . جمال المنشاوى
المهندس القتيل.. وقيمة المصري في بلده !
أحد السياح الإيطاليين بالغردقة أراد الدخول لأحد المنتجعات, منعه مهندس مصري مسئول عن الأمن, اشتبكا فضربه الإيطالي بآلة حادة فقتله, تم القبض عليه, وأحيل للنيابة, حكمت بحبسه أولاً, ثم أخلت سبيله بكفالة 100 ألف جنيه, وكانت تذكرته ورحلته محجوزة للسفر إلي إيطاليا, وخروجه من البلاد, لتصرخ زوجة القتيل باكية ومنتحبة في البرامج التليفزيونية تطالب بحق زوجها القتيل !, القضية محزنة, ومخجلة, وكاشفه لكيف تنظر السلطات المصرية لقيمة مواطنيها وتقدرهم, بالأمس القريب ٌقتِل مواطن إيطالي (ريجيني ) في مصر وأقامت أمه الدنيا ولم تقعدها, وقالت (قتلوه كما لو كان مصرياً), في إهانة واضحة لكرامة المصريين, وإتهام واضح للسلطات المصرية أنها لا تحترم مواطنيها وكرامتهم حتى لو أدي الأمر لقتلهم, وتضامنت معها كل وكالات الأنباء الإيطالية , وقنوات التليفزيون, ووقفت الحكومة الإيطالية موقفاً صلباً وطالبت الحكومة المصرية بكشف ملابسات الحادث والجهة التي تقف وراء قتله, وتوترت العلاقات بين الدولتين بسبب مواطن واحد ؟!, لكن هكذا هي الدول التي تحترم مواطنيها وتحفظ كرامتهم وقيمتهم في الخارج قبل الداخل, ولا ننسي هنا موقف ترامب وكيف ظل يضغط من أجل الإفراج عن آية حجازي باعتبارها مواطنه أمريكية ونجح في إطلاق سراحها, بل واستقبلها في البيت الأبيض هو وإبنته إيفانكا, وغردا علي تويتر مرحبين بها في بلدها أمريكا!, ومن قبل نجح أوباما في إخراج موظفي جمعيات حقوق الإنسان الأمريكان من مصر وكانوا مُتهمين بتمويل منظمات وأفراد مصريين لإحداث نشاط معادي لمصر!, بل وننظر إلي الكيان الصهيوني وكيف يحمي أفراده , لدرجة أن يبادل عدداً كبيرا جداً من المعتقلين للإفراج عن شخص واحد صهيوني (شاليط) في الصفقة الشهيرة, ولا نريد أن نجتر الآلام, ونتجرع المر والهوان ونذّكِر بالمعتصم الذي جهز جيشاً لعموريه ثأراً لكرامة امرأة مسلمة أُهينت فاستغاثت وصرخت (وامعتصماه), وهي الصرخة والنداء الذي وعته الحكومات الغربية , فحفظت حق وكرامة مواطنيها, وحمتهم في الخارج حتى لو أدي ذلك لقطع علاقات , أو توقف مباحثات, أو حتى ضياع مصالح, لأنها تعلم علم اليقين أنها لو قصرت في حماية مواطنيها لن يتركها الإعلام وسيفضحها ويكشف تخاذلها أمام الرأي العام, وقد يؤدي ذلك لسقوطها وفقدانها السلطة, أما في مصر وهي من أغرب البلاد في معاملة مواطنيها حتى في الداخل وأمام الأجنبي, فلا كرامة لمصري أبداً في بلده فالمعاملة مهينة والاعتداء علي الكرامة والجسد أمر مباح من أجهزة السلطة, ولعل حوادث القتل والتعذيب في مراكز الشرطة وأماكن الإحتجاز خير دليل علي ذلك, مع أن الدستور يعتبر التعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم, لكن لم يستطع أحد أن يثبتها لأنها تتطلب شهوداً, والتعذيب يتم في أماكن سرية وبطريقة ممنهجة واحترافية, ناهيك عما يتم للمصري بالخارج لو لجأ لسفارته متظلماً من صاحب عمل خليجي, فلا تقف السفارة معه وتعينه وتنصفه, كما تفعل سفارات دول شرق آسيا كالفلبين وتايلاند وحتى بنجلاديش أصبح تقف وراء عمالتها, وتتبني مشاكلهم وقضاياهم, قضية المهندس المصري كاشفة عن خلل عميق الجذور في العلاقة بين السلطة والمواطن, وبعيداً عن قرار النيابة باعتباره حكماً من القضاء , لكن الحكومة مطالبة بعدم السماح لهذا المواطن بالسفر مهما كانت الأسباب, وتعالوا نتخيل العكس أن يكون القاتل مصرياً والمقتول إيطالياً, والحادثة في إيطاليا, فهل كانت إيطاليا ستسمح للمصري بالسفر مباشرة بعد صدور الحكم بإخلاء سبيله, لكن يبدو أن عقدة ريجيني تسيطر علي الحكومة المصرية , فلا تريد فتح أزمة جديدة مع إيطاليا تقوض شغفها بعودة العلاقات الطبيعية مع إيطاليا, حتى ولو علي حساب قتل مواطن مصري في بلده, ولو علي حساب زوجة مكلومة فقدت زوجها ,وتري حقه يضيع أمام عينيها, تستغيث بالمسئولين فلا تري منهم من أحدٍ, أو تسمع لهم ركزاً!