الحجْر علي الرأي صار بضاعة حاضرة، والاتهامات المسبقة كالسيوف مصلتة تجز الرقاب، ولا تمر كتابة » مؤيدة » دون عاصفة من الرفض، ملوثة بالبذاءة والشتم واللعن والتكفير والتخوين، وكَأنه خان القضية الوطنية، آفة حارتنا التخوين.
أليس من حق المعارض أن يعارض، ويكتب معارضاً، هناك مؤيد ومن حقه أن يكتب مؤيداً، فليسُد الاحترام، لا أحد يملك الحقيقة، ولا أحد يحتكر الحقيقة، وما بين أيدينا من معلومات لا يوفر للمعارض معارضة حقيقية علي أسس موضوعية، ولا يوفر للمؤيد تأييداً بصيراً، هكذا صرنا مثل أعمي يقودُ بصيراً لا أبا لكم، قد ضلَّ من كانت العميان تهديه.
لماذا الكاتب المؤيد ملعون في كل كتاب؟.. تخيل كم البذاءة التي يلوثون بها ثيابه، ويسلخون بها وجهه، يسومونه سوء العذاب، ملعونون جميعاً، وكأن هناك لعنة أصابتنا، فضربتنا فأعمتنا عن إدراك المعارضة الوطنية والموالاة الوطنية، فصار المعارض خائناً وصار المؤيد موالساً.
إذا كانت المعارضة الوطنية ضرورة واجبة مستوجبة ليست خروجاً عن الإجماع الوطني بل في قلبه تماماً، فالتأييد بالضرورة ليس تدليساً علي الضرورات الوطنية بل في قلبها تماماً، إذا كان من حقك أن تعارض ولك ألف حق، وأحترم معارضتك، ولربما أباركها في مواقف وطنية لا تحتمل القسمة علي اثنين، ومن حق المعارض علي المؤيد أن يحفظ له حق المعارضة غير منقوص، فمن حق المؤيد أن يحترم المعارض تأييده وإن اختلف معه في أسبابه، اختلافهم ليس رحمة فحسب بل وفي صحة الوطن.
اللعن علي السبحة، وامسك معارض، والْحقْ مؤيد، كارثة حلت بنا، التشاحن الحادث الآن في الساحة السياسية يخلف بغضاء، والكراهية إذا استعرت بين أبناء الوطن الواحد سيقتل الأخ أخاه ولن يواري سوءته، أخطر ما يواجهه الوطن الكراهية ستحرق الأخضر واليابس، هناك فائض كراهية رهيب.
سيادة منهج التخوين لن تفيد الوطن، ينزف الوطن دماً، لا يصبر أخ علي أخيه أن يتم كلمته، ينط في كرشه، يبقر بطنه، صرنا في مقتلة، كالغربان تنقر رءوس بعضها وتنتف ريشها، تعري الجميع من الأخلاق، وإذا هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
سيادة المعارض، ارفض ما شئت وشاء لك الهوي ولكن لا تُهِل التراب علي كل منجز، ولا تبخس الناس أشياءهم، كونوا قوامين بالقسط، المعارضة ليست مهنة بل موقف، والمواقف بحسب الموقف، ما هو وطني قابل للجمع، واجتهادات من هم في السلطة قابلة للطرح، لكن سياسة »اطرحوه أرضاً» لن تترك قائماً في البلد علي قدميه واقفاً يذود عن الحياض.
ليس هناك معارضة علي طول الخط، وإلا صارت مجابهة وتصيداً لأخطاء وهدما في أساسات البناية، إذا سقطت ففوق رءوسنا جميعاً، وليس هناك تأييد علي طول الخط وإلا صار تأبيداً، لسنا عبيد السمع والطاعة.
سيادة المؤيد قف وتبين، فلتؤيد ما شئت وشاء لك الهوي، ولكن لا تبتذل في تأييدك، كن مؤيداً ناصحاً واعياً ولا تغمض عينيك عما تري من أخطاء، فإن صوبتها كنت يداً وبصراً وسمعاً، كنت عوناً ومرشداً وهادياً، وفي هذا يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: »رحم الله من أهدي إليَّ عيوبي..».