تمامًا مثل «الصلاة يا مؤمنين الصلاة» أجد نفسى أوصيكم ببناتكم، فهن صلاة وعبادة وخشوع، وتربيتهن ثمار من شهد الجنة ونعيمها المقيم، منذ أيام هربت فتاة صغيرة من بيت أهلها وقررت العيش مع مجموعة من الشباب، وأصبحت حديث السوشيال ميديا بعد أن خرجت والدتها تلطم الخدين وتقول إن فتاتها لم تهرب فقط وإنما تعيش علاقات جنسية مع مجموعة من الشباب وقد فشلت تمامًا فى إعادتها إلى حضنها بعد أن صرخت البنت فى وجهها وأعلنت الخروج من جحيم العائلة إلى براح الحرية والاستقلال بحياتها!.
القصة وتفاصيلها ليست سوى إشارة إلى حالات الهروب البناتى من بيوت العائلات، تلك الحالات التى انتشرت مؤخرًا واتخذت أشكالًا متباينة، وحاولت التذرع بحجج ومبررات فارغة عن «الحرية» ومفهومها الخاطئ لدى المراهقات تحديدًا، لكننا لا نرى ولا نسمع ولا نهتم بما يحدث فى مجتمع يدعى التدين الإسلامى والمسيحى، وقبل النوم نستغفر الله ونستغرق فى النعاس، فما حدث لا يخصنا ولن نكتوى بناره فنحن أهل العفة وبيت الطهارة وبناتنا محتشمات بحجاب أو بنقاب، وبعضهن يذهبن إلى مدارس الآحاد والبعض الآخر لا يتركن فرضا من فروض الله.
وما هذا الذى يحدث حولنا؟
ـ لا يخصنا كما قلنا لك، نحن الطهارة، وبناتنا ـ كما ترى ـ يخرجن ـ إن خرجن ـ وهن فى حماية «الدين ورب العالمين».
ستجد كثيرين حولك يتحدثون بهذا المنطق، فقد أصبحت البنت فى البيوت «عيبًا» يتسابق الآباء والأمهات فى «ستره بالأقمشة» من عيون الناس فى الشارع والمدرسة والجامعة، وكلما عادت البنت محجوبة تحت ثيابها تأكدوا أن كل شىء بخير.
والبنت ليست فى خير فى حقيقة الأمر، فقد ارتدت أقمشتها وربطت شعرها جيدًا وتفحصت جسدها الصغير لتطمئن على أنه «مستخبى» وخرجت الشارع خائفةً تتوجس وهى تدارى نفسها عن البشر كما علموها، وبئس ما علموها، فلم تكن تحتاج إلى من يعتبرها عيبًا وحرامًا وخطيئة تسير نحو الخطر كلما خرجت من بيتها، كانت تريد القوة وليس الضعف، تريد من يصرخ فيها مبكرًا لترى نفسها إنسانًا كاملًا لا فرق بين العشرة ملايين خلية عصبية التى تتحكم فى عقل الولد، ونفس العدد من الخلايا لدى البنت.
من طفولتها تريد شعورًا بأنها «وجود» وليست «عدما»، ليست هى فقط دلوعة الأب والأم فى طفولتها وهم الهموم فى مراهقتها، وإنما هى عنصر أساسى سواء كان لها إخوة ذكور أو بنات، لا فرق، تريد أن تصبح جزءا من منظومة العائلة وكلما كبرت عامًا تزداد أهميتها ويتحول الدلع إلى جدية وتكليفات بمهام كبرى ليس منها غسل المواعين بالطبع، وإنما مشاوير مهمة كدفع فواتير أو حجز تذاكر أو أداء واجب اجتماعى كعزاء أو غير ذلك، نعم البنت تريد ذلك وستقوم بما هو أكبر وأجل إن اعتبرناها كيانًا إنسانيًا وليست كتلة من اللحم الحرام.
حريتها فى تحقيق ذاتها، فإن كانت ترسم أو تعزف أو تجيد الطهى حتى فإن ذلك يتطلب اهتمامًا كبيرًا بالأمر وترسيخًا ومصاريف أيضًا فالأموال وإن كانت قليلة إلا أنها موجودة ويحصل عليها «الولد» باعتباره «راجل» والجثة فى الشوال لن تشتكى ولن تتذمر!.
لا تظن أننى أعظ أو أخطب فيك، المسألة أبسط من ذلك، فقد عشت تجربة تربية البنات مع بنات العائلة قبل أن أخوض تجربتى فى الحياة ويرزقنى الله بطفلتين أصبحتا اليوم فى العشرين وما قبلها بقليل، وكان الحديث عن شكلهما الأنثوى واختلافه عن الولد أول درس لهما، جلست ابنتى «ضحى» تتلقاه وهى فى الثانية عشرة من عمرها ولحقتها «شيرى» بعدها بعامين وتلقت الدرس نفسه، فلم يخلق الله الأنثى لتكون ذليلة بحكم اختلاف أعضاء جسدها عن الأولاد، العقل واحد والقدرات واحدة والفروق التى وضحها كتاب الله بينهما لا تعطى للولد مميزات فى التفكير والبحث عن معنى للوجود، هذه أفكار استوردها حماة الدين الجدد لكسر البنت وتعبئتها فى شوال «العفة» فلم نحصد سوى المزيد من السقوط الأخلاقى، فالجثة المدفونة تحت الأقمشة والمسجونة بين قضبان الأفكار القديمة وحصار التقاليد سوف تستيقظ لتبحث عن نفسها وعن وجودها وكيانها وأحلامها، وساعتها ستصطدم بكم وبأفكاركم وستهاجمونها وتهددونها بالحبس فى البيت وقص الشعر والتعذيب فتهرب من خلفكم ومن أمامكم، وستظنون أنها لم تهرب وأن كل شىء بخير وأن الجثة كما هى فى شوالها.
ـ أنت تدعو إلى الرذيلة
ـ عارف إنك هتقول كدا وتسيب كل الكلام، وأنصحك أن تتركنى وشأنى، تطمئن على جثتك فى شوالك، فالهاربات والباحثات عن الأحلام والتحقق فاجرات لم يتقن أهلهن تعبئتهن فى الشوال.