ولما كان هذا البحث حول حرية العقيدة وإقامة دور العبادة لأصحاب الديانات السماوية، وتحديدا وفق الترتيب التاريخى، وهى اليهودية والمسيحية والإسلام، وعلى هذا المبدأ أخذت المحكمة العليا المصرية فى الدعوى رقم ٧ لسنة ٢ قضائية المحكمة العليا «الدستورية»- مبادئ الحكم حرية إقامة الشعائر الدينية: وجاء نص الحكم كما يلى:
«إن الحماية التى يكفلها الدستور لحرية إقامة الشعائر الدينية مقصورة على الأديان السماوية الثلاثة المعترف بها، كما تفصح عن ذلك الأعمال التحضيرية للمادتين ١٢، ١٣ من دستور ١٩٢٣ التى تقدم ذكرها، وهما الأصل التشريعى الذى ترجع إليه النصوص الخاصة بحرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية فى الدساتير المصرية التى تلت هذا الدستور، ولما كانت العقيدة البهائية ليست دينا سماويا معترفا به فإن الدستور لا يكفل حرية إقامة شعائرها».
إن إقامة الشعائر الدينية لأى دين- ولو كان دينا معترفا به- مقيدة بألا تكون مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب. وفى نص آخر للمحكمة الدستورية العليا انتهى الحكم لما يلى:
ومن حيث إنه من المستفاد مما تقدم أن المشرّع قد التزم فى جميع الدساتير المصرية مبدأ حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية، باعتبارها من الأصول الدستورية الثابتة والمستقرة فى كل بلد متحضر، فلكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التى يطمئن إليها ضميره، وتسكن إليها نفسه، ولا سبيل لأى سلطة عليه فيما يدين به فى قرارة نفسه وأعماق وجدانه، أما حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها، فهى مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتير السابقة، وهو قيد عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب «ولا ريب أن إغفاله لا يعنى إسقاطه عمدا وإباحة إقامة الشعائر الدينية، ولو كانت مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب. ذلك أن المشرّع رأى أن هذا القيد غنى عن الإثبات والنص عليه صراحة، باعتباره أمرا بديهيا وأصلا دستوريا يتعين إعماله، ولو أغفله النص، أما الأديان التى يحمى هذا النص حرية القيام بشعائرها، فقد استبان من الأعمال التحضيرية لدستور ١٩٢٣ عن المادتين ١٣،١٢ منه، وهما الأصل الدستورى لجميع النصوص التى رددتها الدساتير المصرية المتعاقبة، أن الأديان التى تحميها هذه النصوص، ومنها نص المادة ٤٦ من الدستور الحالى، «ونضيف أيضا الدستور الأخير الذى لم تمض عليه ثلاث سنوات». إنما هى الأديان السماوية الثلاثة. وانتهى الحكم لما يلى:
«إن الحماية التى يكفلها الدستور لحرية إقامة الشعائر الدينية مقصورة على الأديان السماوية الثلاثة المعترف بها، كما تفصح عن ذلك الأعمال التحضيرية للمادتين ١٣،١٢ من دستور ١٩٢٣ والتى تقدم ذكرها».
ولا يفوتنا أن نذكر ما جاء بالإعلان الدستورى فى ٣٠ مارس ٢٠١١ والمادة ١٢ «تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية».
وخصت المادة الثالثة من دستور ٢٠١٢ «مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار رئاستهم الروحية».
والمادة ٤٣: «حرية الاعتقاد مصونة، وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون».
كما جاء تفسير المحكمة الدستورية لمبدأ حرية الاعتقاد بأنها لا تنفصل عن حرية ممارسة شعائرها، باعتبارهما قائمين لا ينفصلان، وأن ثانيهما تمثل مظاهر أولاهما باعتبارها انتقالا بالعقيدة من مجرد الإيمان بها إلى التعبير عن محتواها عملا، ليكون تطبيقا حيا لها. والخلاصة التى أقرتها المحكمة الدستورية هى أن حرية العقيدة مطلقة ولممارستها لابد من إقامة دور العبادة وبدونها نكون قد خالفنا الدستور، وعطلنا مبدأ حرية العقيدة، وخالفنا النصوص الصريحة التى تواترت فى جميع الدساتير المصرية، منذ دستور ١٩٢٣ وحتى الدستور الحالى أى دستور ٢٠١٣ والمادة ٦٤ ونصها حرية الاعتقاد مطلقة. وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون.
ولما كان الثابت من تواتر الدساتير انحصار الأديان السماوية فى ثلاثة أديان، هى اليهودية والمسيحية والإسلام، وأن هذا الحق ينظمه القانون، وأن الممارسة للحق تقتضى مكانًا للممارسة للمسلم فى مسجده وللمسيحى فى كنيسته ولليهودى فى معبده، وإلا كان المعطل للبناء يتساوى مع المعطل لإقامة الشعائر الدينية ومخالفة الدستور والقانون.
أما من يربط بناء دور العبادة بقوانين ليست فى نصوص بناء وترميم المبانى بالعموم أو يعطل إقامة دور العبادة لأصحاب الديانات الثلاثة، فهو مستوجب تطبيق عقوبة «تعطيل دور العبادة، مع أن أحكام المحكمة الدستورية العليا لم تفرق بين دور العبادة، حيث نصت أحكامها المتواترة على أصحاب الديانات السماوية الثلاثة: «الإسلام والمسيحية واليهودية».