الدستور
أحمد بهاء الدين شعبان
حرب الوجود.. ست ملاحظات
الجريمة الإرهابية الجديدة، التى وقعت فى العريش يوم الإثنين، ١١ سبتمبر، وأسفرت عن استشهاد ١٨ من أبنائنا وإصابة ٥ آخرين، والمواجهة الضارية التى جرت قبلها بيوم، فى «أرض اللواء»، بقلب العاصمة، وتمت فيها تصفية ١٠ من الإرهابيين الهاربين من شمال سيناء، وإصابة ٦ من قوات الشرطة الأبطال- يجب ألا تَفُتَّ فى عضدنا، أو أن تجعل اليأس يتسرب إلى نفوسنا، أو تُشككنا، بأى حال، فى أننا قادرون على دحر الإرهاب، وإلحاق هزيمة نكراء به وبمن يقف خلفه، وتطهير بلادنا من هذا الوباء المستشرى.
لكن من الواجب أن تنفتح أعيننا على العديد من الملاحظات المهمة، المؤسسة على قراءة الحدثين الأخيرين قراءة متأنية، ومن تفحص غيرهما من الوقائع، فى هذا السياق، وعلى امتداد الفترة الماضية، وأهمها:
(١) الحرب من هذا النوع هى «حرب ممتدة»، أى أصبح مسرح الصدام فيها، وميدان المعركة ضد الإرهاب بها، بطول مصر وعرضها، على امتداد ما يزيد على مليون كيلو متر مربع، وهو عبء ليس بالقليل، يتطلب التعامل معه إدراك أن مصر تخوض حربا فعليّة، ليس فى مواجهة مجموعة «ضالة» من «المتطرفين»، وإنما فى مواجهة دول معادية، وأجهزة مخابرات منظمة، وقوى وجماعات شديدة المراس، مُسلحّة بعتاد متقدم، ولا تنقصها دوافع الحقد، ودواعى الكراهية، أو المهارة والتدريب، والرغبة فى التدمير، والقدرة على التخريب.
(٢) والحرب ضد هذا النمط من الإرهاب، هى، بالضرورة، «حرب مفتوحة»، ينبغى أن يكون مُتوقعا، خلالها، أن تتجه ضرباته الغادرة، إلى كل، وأى هدف متاح للإرهاب: كنيسة، مسجد، تَجَمُّع سكانى، مدرسة، شارع، سينما، مسرح، إلخ. وبالأساس كل ما يَمُّتُ للقوات المسلحة وجهاز الأمن بِصِلَةٍ.
(٣) وهذه الحرب من نوع الحروب «طويلة الأمد»، لا يجب أن يزعجنا فيها امتدادها الزمنى، بل ينبغى أن نكون مؤهلين نفسيا ولوجستيا للاستمرار فيها، بعزيمة لا تلين، وإرادة ماضية، حتى يتم قطع دابر الإرهاب نهائيا، ودفنه فى التراب الوطنى المقدس مرةً وإلى الأبد، كما تم دفن عشرات الجحافل من الهمج والمعتدين والغزاة، فى هذه الأرض الغالية، من قبل.
(٤) ولكسب الحروب فى مواجهة هذا النوع من الأعداء، بما يملكونه من قدرات عسكرية ومادية ومعلوماتية وإعلامية، تفوق بمراحل الإمكانات الذاتية لعصاباته، يجب أن تُخاض باعتبارها «حربا شاملة»، لا تقتصر فيها المواجهة على البُعد العسكرى، أو الأمنى وحسب، وإنما تُغطى كافة مساحة الوجود المادى والمعنوى للأمة، وبالذات تلك التى تصوغ وجدان الشعب، وتُحدد وعيه، وتبنى مفاهيمه، وتخط انحياز الفكرية والأخلاقية: أى نظام التعليم، والهيئات والتوجهات الدينية والعقائدية، ومنظومة الثقافة والإعلام.. إلخ.
(٥) والفوز بهذه النوعية المُركّبة من الحروب، يتطلب فهما جديدًا لها، باعتبارها «حربا وطنية كاملة»، تحتاج جهدا تعبويا مختلفا، جوهره الوحدة التى لا انفصام فيها بين الشعب وقواته المسلحة وقوات أمنه. وأى تضعضع فى هذه الوحدة يُضعف جبهة المواجهة التى يتوجب أن يكون عمادها هذا التلاقى الاستراتيجى بين أطرافه الرئيسية: الشعب والجيش والأمن، حتى يتسنى محاصرة الإرهاب، والقضاء عليه، بأسرع السبل وأقلها كلفة.
(٦) لكن تحقيق هذا المفهوم، وتجسيده على أرض الواقع، وبحيث يتحول الشعب كله، بملايينه التى اقتربت من المائة، إلى جنود فى معركة الوجود وحرب المصير- يتطلب شرطين لازمين، لا يمكن الفكاك من تحقيقهما، الأول: العدل الاجتماعى، والثانى: الديمقراطية. فبهما وحدهما تتوفر الدوافع والوسائل، حتى يشعر الشعب أنه يدافع عن وجوده المادى ومصالحه، وعن نصيبه فى خير بلده، وأنه مُشارك فعليا فى دفع الثمن، وجنى النتائج.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف