د. محمود خليل
خطأ مقزز.. وقضية ذات مغزى
خطأ مقزز يثير قضية ذات مغزى. الخطأ المقزز يتمثل فى استبدال عَلَم إسرائيل بعَلَم فلسطين على خريطة بأحد الكتب الخارجية فى مادة الدراسات الاجتماعية للصف الثانى الإعدادى، صادر عن الدار الدولية للنشر والتوزيع، كما نشر موقع «المصرى اليوم». وزارة التربية والتعليم أكدت أنها ستفتح تحقيقاً فى الموضوع، وكخطوة أولى للتعامل مع هذا السفه أصدرت الوزارة تعليمات فورية لدار النشر بحذف الصفحة التى بها الخريطة لحين انتهاء التحقيقات، خاصة أن الدار قالت إن الخطأ غير مقصود، وسيتم تداركه فى الطبعات المقبلة، وأكد مصدر مسئول بالوزارة أن الدار لم تحصل حتى الآن على تصريح بتداول المادة ونشرها، رغم سداد المصروفات وتقديم طلب للحصول على الترخيص منذ أغسطس الماضى، موضحاً أن عدم صدور الترخيص حتى الآن يرجع إلى مقترح مقدم من الوزارة لوضع مطابع الكتب الخارجية تحت إشرافها، والتنسيق معها فيما يخص المناهج لتفادى الأخطاء المستمرة.
رحم الله الكاتب الكبير صاحب عبارة «سداح مداح» التى استخدمها فى وصف سياسة «الانفتاح الاقتصادى» فى مصر خلال فترة السبعينات. موضوع الكتب الخارجية ينطبق عليه هذا الوصف بصورة أو بأخرى. والخطأ المقزز الذى وقعت فيه دار النشر المذكورة يفتح «حدوتة التراخيص» التى تمنحها الوزارة لدور النشر لإصدار هذه الكتب. على مدار سنوات متعاقبة حدثنا مسئولون عن التعليم عن التطويرات المتلاحقة فى الكتب المدرسية، وكيف أنها تغنى الطالب عن اللجوء إلى الكتب الخارجية، والدكتور طارق شوقى، الوزير الحالى، يقول إنه يتبنى نهجاً ومنهجاً واضحاً لإصلاح حال الفساد التعليمى، وورطته أحاديثه المستمرة عن الإصلاح فى أزمة تقسيم العاملين بالتعليم إلى صنفين: «الحرامية» و«معدومى الكفاءة». ثمة سؤال يجدر طرحه فى هذا السياق هو: كيف يتحدث الرجل عن الإصلاح ويترك ملفاً ملغماً مثل ملف الكتب الخارجية؟. هل يكون السر فى الرخصة؟!.
تمنح الوزارة لدور النشر التى تصدر الكتب الخارجية ترخيصاً مقابل رسوم معينة. وقد شهد عام 2010 أزمة كبرى بين دور النشر ووزير التعليم حينذاك، الدكتور أحمد زكى بدر، حيث قرر الوزير الأسبق الاستناد فى تحديد رسوم الترخيص إلى معيارين يتمثلان فى سنة التعليم وكثافة الطلاب فى كل مرحلة، وقد أدى هذا القرار إلى حساب الرسوم السنوية للترخيص بأرقام تقترب من المليون جنيه. ومؤكد أن الرسوم الآن وصلت إلى مضاعفات المليون. وتحتشد الأسواق بما يزيد على أكثر من 2000 عنوان للكتب الخارجية. وبحسبة بسيطة للدخل الذى تحصل عليه الوزارة مقابل منح تراخيص هذه الكتب ستجد أنه يقترب من رقم الواحد الذى يرقد على يمينه تسعة أصفار (المليار جنيه). ولست أدرى الطريق الذى يسلكه هذا المبلغ، لكن المرجح أنه يجد مكانه داخل الصناديق الخاصة للوزارة، ليرقد إلى جوار النسبة التى تحصل عليها من مجموعات التقوية داخل المدارس، وهى شكل آخر من أشكال الدروس الخصوصية التى تتم بشكل مقنن!. لست أشكك فى رغبة الدكتور طارق شوقى فى الإصلاح، وتقديرى أن الخطأ المقزز الذى وقعت فيه دار النشر المذكورة لا بد أن يشكل نقطة ينطلق منها للتعامل الجدى مع هذا الملف.. فهل يفعل؟.