أحمد سعيد طنطاوى
إعصار ايرما والخوف من السلطة
انتشرت عمليات السرقة والنهب خلال مرور إعصار إيرما بولاية فلوريدا الأمريكية، حيث شوهد عشرات الأشخاص، من الذكور والإناث، يقتحمون محالًا تجارية وينهبون محتوياتها... وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها، تحرك بعض الأفراد داخل أحد المحلات ويقومون بسرقة محتوياته في غياب أصحابه وغياب الأمن.
لا يهم هذا الخبر كثيراً، الذى يهم هو التنبيه على أن الأخلاق والوازع الديني لا ينظّمان الناس، ولا ينظمان حياتهم، واهمٌ من يظن ذلك.. الذى يردع الناس ويمنعهم من السرقة هو تطبيق القانون وخوفهم الشديد من أن يلمسهم لو ارتكبوا مخالفة.
وتعريف القانون.."إنه حق تحميه قوة"، والقوة إذا غابت (نتيجة ظرف ما) كما غابت ساعة الإعصار فإن بعض البشر سيصيروا همجا وسارقين، لأن أخلاقهم لا تمنعهم ولا دينهم يمنعهم وإنما قوة القانون هي التى تمنعهم.
فى عام 2006، نقل الدكتور حسان الحديثي هذه الواقعة حيث كان يعمل فى إحدى الدول العربية المشهورة بتطبيق القانون بصرامة شديدة: "مرة انطفأت الكهرباء عن المدينة بأكملها، فتوقف كل شي يعمل بالكهرباء فلا إنارة ولا إشارات مرور ولا أجهزة صراف آلي ولا أي شي آخر.. وضمن أهم ما توقف التكييف فى العمارات الشاهقة وداخل أروقة العمل.
فتوجه الناس إلى سياراتهم لأنها الوحيدة التي فيها تكييف ليعودوا إلى بيوتهم، لأنه لا فائدة من البقاء فى بنايات أسمنتيه بدون مكيفات مع درجات حراره عالية جدا.
وحدث طوفان هائل من السيارات، أعداد لا حصر لها من السيارات في شوارع ليس فيها إشارات ضوئية، بدأ الناس بالمخالفات والخروج عن الشوارع والسير في الجزر الوسطية ثم السير عكس الإتجاه ثم تحول الأمر الى فوضى عارمة.
أي شخص في الشارع يومها كان يتمنى وجود السلطان والعقوبة لردع البشر عن استهتارهم.. هذا الأمر ممكن أن يحصل في أي مكان على الارض.. لاتوجد مدينة فاضلة على الأرض" انتهت الحكاية.
حقا لا توجد مدينة فاضلة على الأرض، ولكن توجد مدينة متقدمة ولكن كيف؟! بتطبيق القانون، ووجود سلطة قوية تطبق هذا القانون.. ومع غيابها ولو بشكل مؤقت انتشرت السرقات فى ولاية فلوريدا وانتشرت الفوضي فى المدينة العربية.
لذلك كل التحليلات تشير دوما أن أكبر فاجعة حلت بالعراق الحديث هو حل الجيش والشرطة وترك الناس بلا رادع ولا راع.
أنظر إلى المصري داخل بلده يستطيع أن يقهر ألف إشارة مرور الواحدة تلو الأخرى بلا أى رادع، وأن يلقى أعقاب السجائر فى قارعة الطريق دون أى يتلقى غرامة.. بينما إذا انتقل هذا الشخص إلى الخارج فإنه يصير إلى الأفضل بفعل تطبيق القانون.. ولأن عقوبة إلقاء أعقاب السجائر أكبر مما يحتمل فإنه يفضل أن يطفئها فى مكانها الصحيح، وأحيانا يفضل ألا يدخن على الإطلاق.
لذلك تكثر المطالبات بتطبيق قوانين المرور بصرامة شديدة.. لأن القوانين هي يد الدولة وسلطتها، ولأن الشارع هو الذي يلمس كل الناس، فالمطلوب إظهار يد الدولة القوية للجميع وأمام كل الناس عبر نافذة قانون المرور.
القانون والسلطة هما سببا النظام في الدول المتقدمة، لذلك صدق من قال:
"إن الله ليزع (ليمنع) بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".