بوابة الشروق
جمال قطب
مصطلحات قرآنية 2.. الرشد- بــ التخصص
كى يحقق المسلم رشده لا يكتفى بأن يكون مشاركا فى الحياة العامة، أو فيما حوله، بل لابد وأن تكون المشاركة إيجابية تقوم على بذل الجهد، والإضافة وزيادة التراكم الانتاجى معنويا أو ماديا. فالمسلم مخلوق للبذل والإعمار، قال تعالى: ((.. هو أنشأكم من الْأرْض واستعمركم فيها..)) أى كلفنا بالأداء والإنتاج وأن يكون الإنتاج إعماريا أى يزيد فى عمر المادة ويكثر من منافعها، ويمنع فسادها، كما يمنع تدنى قيمتها.. هكذا يستوعب المسلم قوله تعالى: ((..واستعمركم..)) أى كلفكم بالإعمار أى بالإضافة والزيادة والتفعيل والمنفعة، كما كلفكم بعدم التخريب وعدم الإهمال وعدم التراخى وعدم الإفساد.

ــ1ــ
والأداء والإيجابية باعتبارهما بعض مقويات الرشد يفرضان على الإنسان إعداد ذاته إعدادًا صالحًا للعطاء والأداء والإيجابية.. ويبدأ إعداد الإنسان بتعرفه على ما منحه الله من خصائص تميزه عن غيره، فمن حكمة الله وحبه لخلقه أنه تعالى يهب لكل إنسان مواهب وخبرات عديدة بعضها يتساوى فيها مع الآخرين، وبعضها يتفوق فيها عن الآخرين.، وبعضها لا توجد عند الآخرين.. كذلك فإن من رحمة الله ولطفه أن لا يثقل كاهل الإنسان بتكليفات كثيرة حيث أشار إلى ذلك ((..لا يكلف الله نفسا إلا وسعها..)). ويؤكد هذا المعنى ويبينه قوله تعالى ((لا يكلف الله نفْسا إلا ما آتاها..)). لذلك فأول واجب من واجبات الرشد أن يتعرف المسلم على ما منحه الله من قدرات تميزه عن غيره ــ مهما كان نوعها ــ ويمارس تلك القدرات ويتخصص فيها ويتقنها حتى يحسنها.

ــ2ــ
هكذا يبدأ إعداد المسلم لذاته أو إعداد المجتمع لأفراده باكتشاف المواهب والمهارات المميزة للذات ويسارع بتنميتها وتحسينها وتدريبها كيف يتعاون ويشارك الآخرين، فالتخصص يفرض على صاحبه معرفة المراحل التى قبله ليضع خبرته فى موضعها اللائق، كما يفرض التخصص على صاحبه معرفة المرحلة التى بعده حتى يصل بعمله صالحا جاهزا لما يضاف إليه.. أما هؤلاء الذين ينظرون إلى عملهم (معنوى/مادى) نظرة إسقاط المسئولية دون أن يعبأ بما قبله وما معه وما بعده، فذلك شخص مهمل مقصر مضيع لجهده ومفسد للموارد التى يعمل بها.

ــ3ــ
التخصص يفرض على صاحبه دوام اليقظة ودوام الاهتمام بما ينتج. ويبدو هذا الاهتمام فى مداومة التعرف على مستجدات المجال، تلك المستجدات التى قد توفر الجهد أو تضاعف الإنتاج أو تزيد المنتج قيمة وتعظم فائدته. فالتخصص باعتباره أحد مقومات الرشد يفرض على الساعى إلى الرشد دوام الانشغال بتخصصه ومتابعة ما يستجد فيه سواء من وسائل وأدوات أو أساليب ومهارات حتى لا يصبح يوما فيجد نفسه متخلفا والواقع قد تجاوزه، فينصرف المجتمع عنه وعن انتاجه لعدم تناسبه أو لتدنى فائدته.

ــ4ــ
والتخصص ليس عملا فرديا، بل هو جهد مجتمعى رسمى وشعبى، وأقصد بـ«رسمى» دور الدولة ومؤسساتها التعليمية والتدريبية والتخطيطية والرقابية.. فالتخصص (فى أى مجال) مهمة كبرى من مهام الدولة حتى تطمئن الدولة إلى رصيدها من القوى البشرية الصالحة لتحمل أعباء الدور الحضارى المنشود. كما أقصد بـ«شعبى» دور مؤسسات المجتمع المدنى مثل «النقابات» و«الجمعيات» و«الأحزاب» و«الأندية والملتقيات». فكل تلك المؤسسات الشعبية عليها عبىء كبير فى مساعدة كل مواطن مساعدة جادة فى التعرف على قدراته ومهاراته وصلاحياته. ثم مساعدته على تنمية ما يتميز به ثم مساعدته بحسن توظيف جهده حتى لا تتبدد موارد المجتمع ومعها الجهد الشخصى للإنسان. والله جل جلاله قد علمنا أهمية الإتقان حيث وصف عمله هو جل جلاله بقوله ((الذى أحسن كل شىء خلقه..))، فماذا يجب على الإنسان بعد ذلك؟ تخصص وإتقان وإحسان، أم تشتت وعفوية وضياع؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف