علاء عريبى
رؤى - «بحة» بتاع الناصرية
ربما هرمنا أو أننا بالفعل قد هرمنا، قبل أسبوعين اتصل بى الصديق والزميل الكاتب منتصر جابر، كان فى إجازة من عمله بالسعودية، ويقضيها كالعادة فى الإسكندرية، اتفقنا أن نتقابل عند نزوله القاهرة، بعد أيام وصل القاهرة واتصل بى لكي نلتقي أنا وهو والصديق الزميل الكاتب محمد عصمت، وطلبت أن نلتقي بجوار منزلي فى مصر الجديدة، واقترح منتصر أن نلتقي فى وسط المدينة لكى نذهب بالمرة لتناول وجبة كوارع ولحمة رأس، وهى من الوجبات التى أعشقها، سواء كانت بتلو أو ضانى، واتفقنا على مقهى سوق الحامدية عند التاسعة والنصف.
ركنت السيارة فى ساحة باب اللوق، وتوجهت إلى المقهى واكتشفت أنه مغلق، ذهبت بشكل تلقائي إلى مقهى الحرية الذى يبعد عنها على الرصيف نفسه مسافة عمارتين، فقد كانت الحرية من المقاهى التى نجلس عليها كثيرا خلال فترة شبابنا، كان منتصر يجلس بالقرب من الباب، حييته وجلسنا ننتظر عصمت، ووصل بعد عدة دقائق.
صداقتى بمنتصر وعصمت تعود إلى ثلاثين سنة عندما بدأنا العمل بجريدة الوفد مع مجموعة كبيرة من الزملاء الأعزاء، فقد كان جيلنا هو الذى أصدر العدد اليومى من الجريدة، كنا جميعا فى العشرينات من عمرنا، تعارفنا وتقاربنا وتآلفنا، وكنا نلتقي يوميا بعد العمل، إما فى شقة العزوبية التى كان يسكن فيها منتصر بالهرم أو على المقهى.
بعد ساعتين فى الحرية نتذكر مواقف وأحداثًا قديمة وطريفة، قررنا التوجه إلى «بحة»، مشينا من باب اللوق إلى ميدان عابدين، ومنه إلى الناصرية، جلسنا وطلبنا الطعام، وكانت المفاجأة أن الكوارع غير موجودة، فطلبنا عكاوى، وشربة، وحلويات، وكانت الحلويات تتضمن: كبدة، وسجق، وطحال، وسمين.
عندما انتهينا من الطعام وذهبنا لمقهى آخر فى باب اللوق، شعرت بثقل فى معدتي، لا أعرف سببه، ربما بسبب السن، فقد شارفنا على الستين، وربما بسبب السجق والكبدة.
زمان كنا نذهب إلى «بحة» قرب الفجر، نأكل الكوارع، ولحمة الرأس، واللسان، والفتة، وكان الطبق المشكل يتكون من الطحال، والفشة، والممبار، وكنا نأكل بشراهة، ثم نجلس على أقرب مقهى فى باب اللوق، بعضنا كان يدخن والبعض الآخر يشرب الشيشة، وكانت معدتنا تهضم الزلط.
فى اليوم التالي حكيت لعصمت عما شعرت به بعد تناول الطعام، واتضح أنه شعر هو الآخر بالثقل نفسه، وللأسف لم نعرف السبب، الأكل كان كالعادة نظيفا، وطعمه لذيذ، لكن ربما كثرة الزيت أو السمن، وربما بسبب الكبدة والسجق، وربما لأننا قد هرمنا ومعدتنا لم تعد تتحمل «بحة».
استدراك: وأنا أرتدى ملابسي، كنت سعيدًا جدا، قلت لزوجتي وابنى: سوف نعيد بعض الذكريات القديمة، وعندما أدرت السيارة، فوجئت بأغنية ودع هواك لعبد المطلب بإحدى المحطات، والمفاجأة الأكبر أنه كان يغنى فى أول كوبليه: عمر اللى فات ماح يرجع تانى - كان حلم وراح انساه وارتاح - ودع هواك ودع.