السيد العزاوى
في رحاب الهجرة النبوية رجال ومواقف خالدة "1"
بعد أيام قليلة نستقبل هلال شهر المحرم بداية العام الهجري الجديد.. وهي مناسبة تتجدد كل عام تحمل في طياتها ذكريات أيام وبطولات لرجال سجلوا أروع المواقف الخالدة في حياة الأمة الإسلامية سجلها التاريخ بأحرف من نور تذكر العالم والأجيال المتعاقبة بهؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لله ورسوله وتفانوا في تحمل الأعباء والمعاناة في سبيل دعوة الحق وتحدوا العقبات وصنوف متعددة من الإيذاء التي قام بها كفار مكة وكبار رجالها في محاولات بائسة لإثناء هؤلاء الرجال عن المضي في المسيرة المحمدية لكنهم قهروا كل ألوان الصعاب ووقفوا بشجاعة في وجه أهل الباطل.. وتنافسوا في التصدي لكل أفعالهم التي بذلوا أقصي الجهد لوقف دعوة الحق والهدي "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون" "8 و9 الصف".
حين صدرت الأوامر لرسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" "94 الحجر" علي الفور قام الرسول صلي الله عليه وسلم بإبلاغ قومه بدعوة الحق ولأنه صلي الله عليه وسلم قد اشتهر بين أهل مكة وشعابها بأنه الصادق الأمين ذو الخلق الحسن في كل تعاملاته معهم. ذكرهم بتلك الصفات التي عاشوا معه فيها علي أرض الواقع وتعرف عليها القاصي والداني وصار مشهورا بينهم بالصادق الأمين ولذلك واجههم مذكرا إياهم قائلاً: هل جربتم عليّ كذبا؟ أجابوا جميعاً قائلين: لا وهنا أفصح لهم عن الأسباب التي جمعهم من أجلها قائلاً: اني رسول الله إليكم خاصة وإلي الناس كافة فكان الرد برفض التخلي عن دين الآباء والأجداد ليس هذا فحسب وإنما وقفوا ضده وناصبوه العداء ووقفوا بالمرصاد لاتباعه وأي فرد ينضم لدعوته كان يلقي الإيذاء بالأقوال والأفعال ولم يتورعوا عن ارتكاب أبشع أنواع العذاب ضد هؤلاء.. من بين الذين صمدوا في وجه الكفار وتحداهم بكل قوة ذلك الصحابي الجليل بلال بن رباح.. اقتادوه إلي الصحراء ووسط لهيبها وضعوا الصخرة التي كانت تغلي من شدة الحرارة علي صدره لكي يتراجع عن الانضمام لدعوة الحق.
بلال ظل صامدا صابرا محتسبا أجره عند ربه ووسط هذا العذاب كانوا يتفنون في الغيظ له ومن ذلك انهم قالوا له: هل تحب أن تخرج من العذاب ويكون "محمد" مكانك في هذا التعذيب؟ فيرد عليهم بكل ثبات قائلاً: والله ما أحب أن ينال رسول الله صلي الله عليه وسلم شيئا ولو حتي الشوكة يشاكها. ألقم الكفار حجرا بهذه الإرادة الصلبة وذلك الثبات انه نور الإيمان الذي امتلك وجدان هذا الصحابي وكان وسيظل نموذجا خالدا للثبات في الحق والصمود في وجه التحديات وهناك الكثير من هؤلاء الرجال الذين ضحوا بالنفس والمال والأهل في سبيل الحق والمضي في سبيله ابتغاء مرضاة الله ورسوله وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه البطولات وتلك المواقف في سورة الحشر يقول الحق تبارك وتعالي "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا أولئك هم الصادقون" "18 الحشر" تلك هي الصفات التي ذكرها رب العالمين لهؤلاء الأبطال من الذين صمدوا وثبتوا حول رسول الله صلي الله عليه وسلم صدقاً وتضحية بالنفس وكل شيء يمتلكونه لا يريدون من البشر أي شيء وإنما يتطلعون إلي فضل الله سبحانه ورحماته. انها أعمال وثبات ابتغاء مرضاة الله ورسوله أملاً في عفو الله ورحمته ويكفيهم شرفاً ان الحق تبارك وتعالي هو الذي تفضل برضائه عليهم وتقديره لهم جزاء ما قدموا ووقفوا في وجه أهل الكفر والباطل.
ان سجلات هؤلاء الرجال سواء من المهاجرين من أهل مكة أو من الأنصار من أبناء المدينة المنورة سجلات التاريخ حاملة بأمجادهم وتضحياتهم. لقد كانوا في منتهي الشجاعة والصبر والتحلي بمكارم الأخلاق اقتداء بصاحب هذه الدعوة التي ينبثق النور من كل جوانبها لم يتعرضوا لأي أحد بالأذي أياً كان مصدره سواء الأقوال أو الأفعال حتي في الدفاع عن أنفسهم كانوا نماذج مضيئة في حسن التعامل ونتيجة لصبرهم وثباتهم في وجه الظلم وأهله كان الإذن لهم من الله بالدفاع عن النفس "وأذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله علي نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره وإن الله لقوي عزيز" "39 و40 الحج" هؤلاء نماذج مضيئة في تاريخ الأمة الإسلامية مكارم الأخلاق وحماية النفس البشرية هي سبيلهم في الاستمساك بقيم الدين الحنيف ونشر هذه القيم بين سائر البشر في كل أنحاء العالم ولنا لقاءات مع سجلات هؤلاء الرجال بإذن الله وتوفيقه.