هم حتمًا ليسوا سحرة فرعون، ففرعون ذاته أكثر نبلًا وبراءة بل أكثر نقاء مما نظن، السحرة الجدد شأنهم شأن النازيين الجدد مجموعة وحفنة «مديوكر» ظهروا علينا برؤى غرائبية. وكان لابد لهؤلاء السحرة «النيو ليبرال» من مادة يسحرون بها، ومادتهم الفعالة الرائجة لذلك كانت «المقدس».
اعتمد هؤلاء على جعلنا فى مواجهة دائمة مع «المُقدس»، بل استحضاره دومًا فى كل المواجهات وكأنه يطاردنا ويبارزنا ويصارعنا وجهًا لوجه، بغية إحداث صدام هنا أو هناك وافتعال أزمات لهذا أو ذاك أو لنا جميعا ولبلادنا بلا أدنى شك، بجرها لمعارك صغيرة جانبية خلف الكراسى وتحت الطاولات، ليحتدم السجال فى ذلك الصراع المحموم المجانى، تماما كما يحدث فى مصارعة الديوك.
علاقة الفرد بالمقدسات خاصة جدا وحميمة جدا، لا يجب النزول بها لساحات النزال والعراك كما يبغى السحرة دومًا ويخططون. يريدوننا منازلة الدين فيغلبنا حتمًا، ويكون ذلك برهانهم اليقينى الأكيد على ضعفنا وقلة حيلتنا، فتهون الناس عليهم حتى يجعلوهم مرتاعين راهبين «المقدس» بدلا من الخشوع له حبًا وولهًا. لقد رغب السحرة الناس فى مزاولة الطقوس حتى كرهوا الله، وصارت العقائد والشرائع والطقوس مقدمة على بارئها بتبجح منقطع النظير.
الساحر يجرك حتما لكفر بيّن مبين، فبسحره ترهب، فلا تتدبر الله محبة، ولا الدين خيرا ونورا بل جعلوه طغيانًا ومصدر تعاسة، ويقدم هؤلاء السحرة فقراتهم فى الحيّز الفضائى الرحيب ليراها القاصى والدانى، وهى فقرة شبه ثابتة تقدم دائمًا بلا داع ومن أجل اللاشىء. فما هو يا ترى الشىء الضرورى والملحّ الذى يقدمونه على الشاشات؟، وبجرعات زائدة على الحد، يقدمها من ليس أهلًا لها من الأساس.
«فقرة الساحر الدينى» فقرة أدمنتها الشاشات فأدمنها المتابعون، لا تخلو شاشة منها، تلك التى تجر متابعيها لأكاذيب وضلالات وهلاوس أكيدة يسعد بها الصغار وبقية أفراد الأسرة من الكبار، تشكل وعيهم وعقلهم الجمعى.
هنا منبع الخطورة، فالساحر يلهو بك شأنه شأن «الحاوى»، أما سحرة الدين فيغيبونك ويغربونك عن دينك وعن دنياك، ويدفعونك للنهايات قبل البدء أو الشروع فى ممارسة الحياة، ويقنعونك بأن الحياة لعب ولهو فتعافها وتتوق للآخرة قبل الأوان.
تنشغل بالخواتيم فتنسى أن تحيا أو تعيش. تبقى على قيد الحياة متمنيًا الموت لأنه طريقك الأكيد للجنة ذات المهور الغالية، لذلك لابد أن تقدم لها الأضاحى والقرابين فتكفر هذا وتحرض على ذاك، ويقتل أخوك ذلك الذاك، ويصبح الدم هو السبيل الأكيد والطريق الأوحد للفردوس، ويصبح المتابع المطيع لأوامر السحرة واحدًا من خيول الله وجياد الرحمن التى تعد للآخرين ما استطاعت من قوة وبأس يرهبون به.
زيادة الجرعة الدينية فى خرائط البرامج والفضائيات واشتغال السحرة فيها تفتح المجال الواسع لكل هذا التطرّف، وإن بدا ما يقال فى ظاهره مجرد كلام أو حديث وعظى إرشادى يرشد للتقوى والصلاح، إلا أن كلمة تقال هنا أو حماسة زائدة تُمارس هناك قد تخرج الأمر عن نصابه فى ثوان معدودة، وبالتراكم تتربى الذهنية الأصولية المتعصبة لدى المتلقى والتى تنقلب فى لحظات الضعف أو الشك أو الارتباك لفعل عنيف أو متعصب أو عنصرى.