لا أحد يشكك فى كون مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى الذى انتهى منذ ايام شهد واحدة من أفضل دوراته فى السنوات الأخيرة. و كان للمخرج المكسيكى جييرمو ديل تورو شرف التتويج بالاسد الذهبى أكبر جوائز المهرجان وأهمها. اسم فيلمه «شكل الماء» والاحداث بها الكثير من العذوبة والرقة تماما كما يوحى الاسم. انها قصة حب بين عاملة نظافة يتيمة خرساء ووحش مائى جاءوا به الى الولايات المتحدة قادما من الامازون لإجراء ابحاث عليه. زمن الاحداث فى الستينيات وقت الحرب الباردة والمكان هو معمل حكومى فى منطقة بعيدة و منعزلة و الاسلوب الفنى هو الميلودراما والبكاء هو سيد الموقف للتعاطف مع قصة الحب المستحيلة. المخرج علق «اؤمن بالسينما..» ؤمن بالحب..أؤمن بالحياة». جييرمو ديل تورو هو احد سادة السينما الكبار فى العالم الآن، ومعروف بقدرته على تجسيد عوالم من الفانتازيا يصادق فيها بين الوحوش وبني البشر، ويمزج فيها بين مشاعر الرعب و قوة العاطفة. البريطانية سالى هوكنز قامت بمعزومة تمثيل منفردة متفردة. «شكل الماء» هو اول فيلم ناطق بالانجليزية يفوز بالتتويج الاكبر فى فينيسيا منذ عام 2010 وقت فوز فيلم «ضائع فى الترجمة» لصوفيا كوبولا. هذا الفيلم يليق بالبندقية حقا لانه يعيد السينما لمادتها الخام الاولى وهى قدرتها على التعبير عن المشاعر العميقة الصعب التعبير عنها بهذا العمق والتركيب فى الفنون الاخرى، وهو قائم على الخيال الذى يعتبر دليل حيوية وخصوبة اى فن، بالاضافة ان يتكلم بشكل مملوء بالنضارة عن الحب. لذا نجح فى الحصول على تصفيق الحضور واقفين او ما يسمى (ستاند اوفيشان): أحد اهم وسائل تعبير الجمهور عن التقدير البالغ فى عروض السينما بالعالم. و قد اهدى ديل تورو جائزته لكل المخرجين الشباب بأمريكا اللاتينية قائلا: «لعل تلك الجائزة تلهمهم ان يقدموا ما يؤمنون به». والجدير بالذكر ان «شكل الماء» فاز على افلام مهمة عرضت بالمهرجان مثل «تحجيم» لالكسندر باين وسوبر بيكون لجورج كلونى. ومن اهم الافلام التى توجت بفينيسيا هذا العام ايضا الفيلم الفرنسي «حتى الحجز» للفرنسي زافييه لوجران الذى فاز بجائزتى افضل مخرج وافضل عمل اول. والفيلم دراما قوية جدا عن تعقيد العلاقات الاسرية فى الحياة الاوروبية الان، من خلال قصة طلاق وسط إصرار الام على الاحتفاظ بحق رعاية الاطفال مدعية انهم لايريدون رؤية والدهم لانه كان عنيفا معهم. اعتمد المخرج على الفكرة الرئيسية لفيلمه القصير السابق الذى رشح للاوسكار عام 2013، وكذلك بممثلى دور الابناء المراهقين ونسج عقدة فنية رائعة عن الاكاذيب والالعاب الدفاعية والمشاعر السلبية التى تنتاب الازواج عندما ينفصلون. الفيلم يرينا كيف تتشكل الجوانب السوداء بشخصياتنا، وان هناك تجارب حياتية تخرج اسوأ ما فينا.
الرائع ان الابناء بالفيلم رغم صغر سنهم لم يسلموا ايضا من ارتباك المشاعر وتعقيدها واضطربوا و ربما اخرجوا اشياء وسلوكيات لا تعبر عن ذواتهم الحقيقية، لكنها خرجت تحت الضغط. أما جائزة افضل ممثلة بمهرجان البندقية فقد حصلت عليها الممثلة العالمية شارلوت رامبلينج عن فيلم «هانا» للمخرج الايطالى اندريا بالورو. والفيلم يحكى عن معاناة امرأة اصيبت بصدمة نفسية بعد سجن زوجها. والاحداث تتفجر فى مدينة بلجيكية ساحلية عن جريمة قتل لا تتضح ابعادها. الفيلم يبدو كمرثية طويلة عن الالم، تتقاطع ما بين تدريبات مطولة علي الصراخ تؤديها ا هاناب بفرقة مسرحية هى منضمة لها وبين مشاعرها الحقيقية في منزلها. سيدة تقف على بابها تخاطبها بنبرة الم تختلط مع شخصيات العرض الذى تقوم بعمل بروفاته، وهكذا..
وكانت افضل مشاهد الفيلم تلك التى تزور فيها هانا زوجها بالسجن وتضطر فيها لمغالبة مشاعرها الحزينة والمضطربة لكى تبدو طبيعية ومساندة له. ولا تستطيع ان تبوح له بهول ما تشعر به خاصة عندما زارت ابنهما لتحتفل معه بعيد ميلاد حفيدها ورفض الابن استقبالها. أما الجائزة الخاصة للجنة تحكيم مهرجان فينيسيا فقد حصل عليها فيلم «بلد جميلة» للمخرج وارويك ثورنتون الذى حصل كذلك على جائزة النقاد بنفس المهرجان لافضل فيلم. والفيلم هو ويسترن تدور احداثه فى الجزء الشمالى من استراليا يتحدث عن الظلم والمساواة من خلال وجهة نظر جديدة وبكر. «نحن متساوون فى «أعين الرب» هكذا يقول راهب متطوع فى المشاهد الاولى من الفيلم وكأنه يدشن توجه الدراما ووجهتها. ورغم انه فى الاصل مدير تصوير ذو لمسات رائعة فيما سبق، لكن وارويك لم يشأ تقديم لقطات كارت بوستال مبهرة تحيد بالنظر عن هدف الفيلم الاصلى وهو بيان حالة الظلم والفصل العنصرى التى عاناها السكان الأصليون باستراليا فى هذا التوقيت. هؤلاء هم أهم تجار البندقية هذا العام: بضاعتهم فن راق و رؤى متفردة و إضاءات نابغة.