عباس الطرابيلى
هموم مصرية - لماذا هربت ..مرسيدس؟!
في زيارته لمعرض فرانكفورت الدولي للسيارات في ألمانيا أعلن الفريق مهاب مميش، أنه سيبحث ـ مع الألمان ـ إعادة شركة مرسيدس للاستثمار في مصر.. وهذا الكلام طيب. ولكن الأطيب منه أن نستمع منهم: لماذا هربوا من مصر.
ذلك أن الألمان براجماتيون، ويدرسون جيداً كل الظروف، وهم أبعد أهل الأرض عن العواطف.. وإذا كانوا قد أقاموا مصنعاً داخل مصر لتجميع سيارات المرسيدس.. فقد فعلوا ذلك لأن مصر هي أكبر سوق للمرسيدس في افريقيا.. حتي ليقال إن عدد سيارات المرسيدس التي تنطلق في شوارع مصر أكثر من عددها الذى ينطلق في شوارع ألمانيا نفسها!!
<< وأغلب الظن أنهم جاءوا مصر لعدة أسباب أولها: رخص الأيدي العاملة فيها من زمان أما الآن فقد فقدنا هذه الميزة وأصبحت أجور العمالة فيها لا تقل عن المانيا نفسها.. ثم ـ يبدوـ أن الألمان عجزوا عن تغيير طبيعة العامل المصري ـ الفني ـ لكي يعمل أكثر ويعطي أكثر.. ويعمل طوال ورديته من لحظة البداية الي آخر الوردية بنفس القدرة.. ولا يتحجج بأداء فريضة الصلاة.. أو الافطار وشرب الشاي.. والأنكي لا يطالب بحصة من الأرباح الا إذا كان له سبب في تحقيقها، إذ أصبح المصري "كثير" المطالب. كثير الغياب. يفكر في التزويغ قبل أن يفكر في العمل. ويبدو أن الألمان ـ في فرع مرسيدس ـ مصر ـ عجزوا عن مواجهة كل ذلك ووجدوا انهم يخسرون.. اذ استمر مصنعهم فيها، وأنهم متأكدون أن المصريين لن يتخلوا عن عشقهم لسيارتهم!!
<< وأتمني أن يكون من أسباب هروبهم من مصر، اننا كنا نطلب زيادة المكون المحلي ـ في المرسيدس ـ بشرط أن يكون مستوي هذه المكونات في نفس جودة المكون الألمانى ـ أو غيره ـ الموجود في السيارة.. هنا يجب أن يتكلم الفريق مهاب مميش بكل صراحة عن أسباب هروبهم.. قبل أن يناقش معهم كيفية عودتهم.. وأن يملك الفريق مميش القدرة علي الوفاء بما يعدهم به وخلال جدول زمني محدد .. وأعلم أن الألمان يتعجبون الآن مما وصل اليه نظام مبارك كول للنهوض بالتعليم الفني داخل مصر.. ولا أعلم مصير هذه الاتفاقية التي كانت كافية لزرع اسلوب العمل والصناعة الألماني داخل العقل المصري..
<< وكم أتمني أن ينجح الفريق مميش.. لأن كل المصريين معجبون بالشخصية الألمانية. وبأسلوب التفكير الألماني. وبالصناعة الألمانية، وهذا منذ عشرات السنين.. وكانوا يسخرون من منتجات الدرجة الثالثة ويصفونها بأنها تايواني أي مضروبة.. ولأن الصناعة الألمانية معمرة بالفعل.. بسبب جودتها..
ومن المؤكد أن الفريق مميش سيجد اجابات عن هذه الأسئلة.. حتي نعممها ليس فقط في المرسيدس والألمان.. ولكن لأننا نسعي الي تشجيع وتسهيل مشاركة المستثمرين الأجانب داخل مصر.. ليس فقط في منطقة قناة السويس، ولكن في أي مكان يمكن أن يصبح قلعة صناعية متطورة..
<< وأعتقد أن تغيير اسلوب عمل المصريين ـ والعودة الي ما كانت تتميز به مصر وهو انخفاض أجور الأيدي العاملة عن أوروباـ هو أفضل سبيل لإحداث نهضة صناعية في مصر. وبالمناسبة سر تقدم كل النمور الآسيوية حتي في إندونيسيا وبنجلاديش هو مستوي الأجور هناك. حتي إن الصين وبها 1300 مليون إنسان تنشئ الآن الكثير من مصانعها في هذه الدول..
المهم أن ندرس.. وأن نلتزم بما نتفق عليه.. فهذا هو أول الطريق لاستعادة سمعة العامل المصري.. والصانع المصري. ولا طريق سواه.