الأهرام
لواء أ ح م مسعد الششتاوي
فى الذكرى 39 لمعاهدة كامب ديفيد صفحات مضيئة فى تاريخ العسكرية والدبلوماسية المصرية
الميدانى فى حرب أكتوبر 1973 تضاعفت الخسائر العربية فى القضية الفلسطينية على مدى قرن من الزمان... وبالتحديد منذ صدور تصريح وزير الخارجية البريطانية (بلفور) فى الثانى من نوفمبر 1917، والذى تضمن وعْداً من الحكومة البريطانية بتقديم المساعدة لليهود فى إقامة وطن قومى لهم بفلسطين. وتطورت الأحداث بزيادة الهجرة وتدفق اليهود من جميع أنحاء العالم واستيلائهم على الأراضى وتمكين الجماعات الصهيونية من إقامة قواعد الدولة فى فلسطين فى ثلاثينيات القرن العشرين إلى أن صدر قرار الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية وقد رفض العرب هذا القرار... ثم اعلن اليهود قيام دولة إسرائيل فى الخامس عشر من مايو 1948 حيث نشبت بعدها مباشرة حرب فلسطين. وفى أوائل عام 1949 أبرم العرب مع إسرائيل اتفاقيات الهدنة دون ان تتراجع إسرائيل عن اى من الأراضى التى احتلتها بالرغم من عودة العرب لقبول قرار التقسيم. وعقب حرب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 ونتيجة لها تمكنت السفن الإسرائيلية من المرور عبر مضيق تيران وخليج العقبة من وإلى مينائها ايلات (على رأس خليج العقبة) والذى كان معطلاً من قبل وقد استمر ذلك تحت إشراف وحماية قوات الطوارئ الدولية.

وفى حرب الخامس من يونيو عام 1967 تمكنت إسرائيل من احتلال فلسطين كلها بالإضافة إلى هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء وأعقب ذلك فى نفس العام قيام بريطانيا بتقديم مشروع قرار حاز إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولى وهو القرار رقم 242 وقد قبلت مصر وباقى الدول العربية هذا القرار.

وعندما تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحكم اعتمدت سياسته على الفهم التام للواقع العربى والدولى والمتغيرات الدولية والإيجابيات المدعومة بالمبادرات التى طرحها والتى كان فى مقدمتها الدعوة إلى السلام العادل بمقترحات محددة فى عام 1971 وقد حظيت بتقدير المجتمع الدولى.

وفى اُثناء حرب أكتوبر 1973 المجيدة... وفى قمة الانتصارات المصرية أعلن الرئيس السادات فى السادس عشر من اكتوبر 1973 وأمام مجلس الشعب مبادرته السياسية الأولى والجريئة للسلام... كما صدرت خلال الحرب ثلاثة قرارات لمجلس الأمن الدولى بعد ان برهنت العسكرية المصرية تفوقها وقد تمثلت فى القرار 338 يوم 22 أكتوبر الذى دعا إلى إقامة سلام عادل فى الشرق الأوسط وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولى رقم 242 ثم القرار 339 يوم 23أكتوبر والذى دعا إسرائيل إلى الالتزام بالقرار 338... أما بالنسبة للقرار الثالث رقم 340 الذى صدر فى يوم 24أكتوبر فقد صدر هذا القرار من خلال موقف عالمى خطير كاد يشعل حرباً نووية بين القوتين العظميين لولا تدخل الدبلوماسية المصرية بمقترحات سياسية لاقت قبولاً من المجتمع الدولى أعقبها مباشرة دفع قوات الطوارئ الدولية إلى المنطقة لفض الاشتباك والفصل بين القوات.

ثم استمرت بعد ذلك مبادرات السلام المصرية على مدى (6) ست سنوات متصلة عقب حرب أكتوبر ومكاسبها التاريخية.

وفى غضون كل ذلك جاءت الثورة السياسية التى برهنت على ثقل الحضارة العربية من جانب مصر تمثلت فى قيام الرئيس السادات بزيارة للقدس فى 19نوفمبر عام 1977 وذلك على قواعد القوة والحق والالتزام العربى الصادق،وقد بهرت هذه المبادرة العالم كله حيث بدأت بعدها مباشرة المحادثات السياسية بالإسماعيلية والقدس وليدز مروراً باجتماعات كامب ديفيد الثانية وتوقيع الاتفاقية فى 17سبتمبر عام 1978.

على أنه فى مجال التقييم والإنجازات لهذه المعاهدة نلاحظ الآتى:

-أن المبادرة المصرية التاريخية بزيارة الرئيس السادات للقدس فى نوفمبر 1977 قد اكدت مصر فيها الإرادة العربية الصلبة (ومن مصدر القوة) فى إقامة السلام العادل والشامل لجميع دول المنطقة، على أساس أحكام ميثاق الأمم المتحدة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لجميع الأراضى المحتلة منذ عام 1967 وتأمين الحقوق الشرعية للشعب الفلسطينى وحقه فى إقامة دولته.

والجدير بالذكر أن هذه المبادئ التى تضمنها خطاب الرئيس السادات تمثل استمراراً للخط الثابت للسياسة المصرية وهى نفس المبادئ التى قامت عليها وثائق كامب ديفيد فى سبتمبر عام 1978 ثم معاهدة السلام التى تم توقيعها فى مارس عام 1979.

- حققت المعاهدة تحرير شبه جزيرة سيناء كلها وسيادة مصر التامة على أراضيها ومياهها الإقليمية ومجالها الجوى واستعادة ثرواتها البترولية والمعدنية فى سيناء وكذا المنشآت المصرية دون المساس بالضرر فى أيّ منها.

- أكدت المادة الثانية من المعاهدة أن الحدود بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدائمة المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب ورسمت هذه الحدود فى خريطة ملحقة بالمعاهدة ... ولقد شكل هذا البند أساساً مبدئياً لأى تسويات مقبلة مع باقى الدول العربية المشتركة فى الحدود مع إسرائيل.

- نجحت مصر فى إخلاء المستوطنات الإسرائيلية والمطارات التى أقامتها إسرائيل فى سيناء لاستخدامها فى أغراض مدنية دولية تعود بالفائدة الاقتصادية على مصر.

- وضعت ترتيبات الأمن على اساس التبادل بين مصر وإسرائيل وعينت المناطق المحدودة التسليح فى اراضى البلدين ـ كما أعطت مصر حق طلب إعادة النظر فى ترتيبات الأمن فى أى وقت.

-بالنسبة للمرور فى قناة السويس لم تتجاوز معاهدة السلام أحكام اتفاقية القسطنطينية فى عام 1888 والمطبقة على جميع الدول.

وهكذا سارت مصر وهى تمتلك مقومات القوة فى جهودها المتوالية نحو السلام وفق مبادئ ثابتة تلتزم بها وبما يجعل كلمتها نابعة من إرادة صادقة نحو السلام وصادرة عن إدراك حضارى، وفى إطار قرارات الأمم المتحدة والهدف المرجو من مفاوضات السلام التى دعت إليها المنظمة الدولية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف