د. أحمد فرحات
قضية ورأي - التعليم العالي والبحث العلمي في مصر
هناك اهتمام كبير بمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من قبل العديد من دول العالم المتقدم أو المتطلع للحصول علي التكنولوجيا المتقدمة لغرض تطوير الإمكانات الصناعية والتكنولوجية والعمل باستراتيجية تنموية وفقا لإمكانياتها ولتنويع اقتصادها وتطويرالصناعة بها ورفع مستوي المجتمع الثقافي.
ومن المؤكد أن الإدارة لمؤسسات التعليم لها دور عظيم في نجاح المؤسسة وتطويرها والقيام بدورها التكاملي مع باقي مؤسسات الدولة الأمر الذي أوجب علي الدولة أن تهتم بمستوي التعليم العالي والبحث العلمي وتخصص نسبة كبيرة من ميزانية الدولة له وتحسن إدارته، كما يجب أن تكون هناك عناية كبيرة في اختيار إدارات شجاعة كفؤة ومخلصة ونزيهه تتولي الأمر بشكل إيجابي وفاعل. لذا فإن سوء اختيار الإدارة سيؤدي حتما إلي مشاكل كبيرة منها التبديد غير الرشيد للأموال والطاقات وتراجع كبير في مستوي التعليم. و لعل عملية الإصلاح لمؤسسات التعليم العالي ترتكز علي عدة ركائز أهمها : إعادة النظر في القوانين والتعليمات الخاصة بالتعليم العالي وتعديلها بما ينسجم مع معطيات العصر واحتياجات وإمكانيات الدولة المادية والبشرية، وإصلاح الهيكل التنظيمي والإداري للمؤسسات التعليمية، وتطوير ومتابعة الهيئات التدريسية وحثها باستمرار لرفع امكانياتها العلمية والثقافية والتعليمية، وتفهم الطلبة وظروفهم وواقعهم الاجتماعي.
كما أن عدم الاهتمام باختيار الادارات لمؤسسات الدولة المصرية ومنها التعليم العالي بشكل صحيح أدي إلي وصول من لا يتمتع بالأمانة والمصداقية والقدرة والكفاءة إلي أعلي المناصب في الدولة، حيث يلاحظ تمسكهم الكبير بمواقعهم دون الاهتمام بالمصلحة العامة للمجتمع وتطوير الخدمات والمخرجات بشكل جدي، كما عمل بعضهم علي تسخير إمكانات المؤسسة التعليمية لمصلحتهم الشخصية والعمل علي حصولهم علي أعلي المكاسب دون الاهتمام بضعف ما يقدمونه للتعليم العالي والمجتمع. لذا يمكن تلخيص أهم مشاكل وسوء الإدارة في مؤسسات التعليم العالي في عـدة نقـاط وهي : تبدو النظرة للمنصب كمكسب مادي ومعنوي فقط وعدم الاهتمام بالبناء والتطوير لترك أثر إيجابي في خدمة المؤسسة التعليمية والارتقاء بها ــ اعتماد المحسوبية والعلاقات والمصالح الشخصية في اختيار إدارات التعليم والذي نتج عنه وصول شخصيات غير كفؤة موالية لمن رشحها ودعم وصولها للمنصب دون الاهتمام بالصالح العام ــ في الغالب تكون الإدارات عاجزة عن إجراء تغييرات إيجابية فيها رؤي إصلاحية وتطويرية لأنها تنظر إلي أن دورها ومسئوليتها محددة فقط في تسيير الأمور الإدارية ونيل المكاسب وعدم الاهتمام بالشأن العلمي والتربوي وتطويرهما أو الالتزام الشكلي والتوثيق الورقي الكاذب غير الصحيح ـ عدم قدرة أغلب الإدارات علي تشخيص الكثير من المعوقات والمشاكل الفعلية ــ عدم وجود مواصفات واضحة ومحددة لاختيار القيادات بأمانة وشفافية ـ عدم وجود فهم لدور الادار ي وعدم وضوح الصلاحيات والمسؤوليات حيث هناك جهل كبير في الحقوق والواجبات وحدود المسئوليات ومعظم العاملين جاهلين بحقوقهم وواجباتهم وما تفرضه عليهم القوانين والتعليمات والقواعد حيث يتم التعاطي بالكثير من الأمور بشكل اجتهادي لا يستند إلي أي تعليمات وضوابط قانونية صحيحة وهذا بطبيعة الحال يؤسس لشيوع ثقافة الفوضي واللانظام وعدم احترام القيم المؤسساتية. وهناك الكثير من المشاكل وأسباب سوء الإدارة والتي لا يتسع لها المجال لذكرها وتحديدها علي وجهة القطع واليقين.
لذا يتوجب العمل لتطوير الهيكل التنظيمي للمؤسسات الأكاديمية وإكسابها ما يكفي من المرونة لتجاوز الأزمات والإشكاليات ولتتوافق في عملها مع الأهداف المرجوة، وبالتأكيد فإن نجاح مؤسسات التعليم العالي لا يكون محصورا بحسن اختيار الإدارة فقط، لكن الإداري الجيد له دور كبير في خلق فرص النجاح في أصعب الظروف لامتلاكه الشجاعة وروح المبادرة والرؤية الإصلاحية الإيجابية.
كما يبدو واضحا أن هناك رغبة كبيرة في المجتمع لإصلاح كل مؤسسات الدولة وعلي رأسها المؤسسات التعليمية والإسراع بالإصلاح وبالتأكيد أي إصلاح يجب أن يستند إلي النزاهة والتكنوقراط وهذا ما يؤشر إلي وجوب الرجوع إلي مؤسسة التعليم العالي لغرض المساهمة في وضع سياسة واستراتيجية تنموية للنهوض بالبلد وعلي مختلف الأصعدة. ويحدونا الأمل والطموح في أن يكون الغد افضل بالتعاضد والتآزر ووقف السوء ودحر الفساد والوقوف علي أرضية قوية لبناء صحيح يستند إلي الأمانة والعلمية والقيم الأخلاقية والتربوية الصالحة والتي لا تخرج عن قيم ومعتقدات المجتمع ولكن تصويبها بالاتجاه الصحيح الموحد لغرض إنجاح عملية التنمية وتطوير البلد وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات والارتقاء بالمستوي الثقافي والاجتماعي للإنسان المصري. وهنا لم نعد نصنف العالم إلي دول متقدمة وأخري متخلفة بل هناك إدارة ناجحة وأخري توصف بأنها إدارة فاشلة.