الأخبار
خالد رزق
مشوار - اللاهثون في المواكب والسكوت الحرام !
مصري عندي 50 عاما ومن الإسماعيلية وما أدراكم بالإسماعيلية هذه المدينة الصغيرة التي شاء لها القدر أن تكون مسرحاً لأهم الأحداث المصيرية الفارقة في تاريخ مصرنا المعاصر.. و50 عاماً التي ذكرت هنا مغزاها أني عشت بعضا من هذه الأحداث ربما أولها ميلادي في المهجر بعيداً عن تلك المدينة الأسطورية التي بنيت عنها صورة مقدسة في خيالي وكيف لا وكانت هي التي يقول عنها الجميع في الأسرة ومن الجيران أنها بلدنا وإليها تعود أصولنا والتي يتحرق الجميع شوقاً إلي لحظة يعودون فيها إليها.. شوق يبدو أنه ورث جينياً لمواليد وصغار المهجر..
الشوق إلي مسقط الرأس موطن أسرتي وكل المهاجرين في منطقة منشية أباظة بالزقازيق، والذي كان الحديث عنه يأتي عادة ممزوجا بكلام كثير وكثير جداً عن الحرب والموت والدم وغدر اليهود الصهاينة وأيادي الاستعمار القديم وراءهم..، كلام يعرف منه الصغار أسماء الأسلحة الفتاكة، فلا يخافونها وإنما يتمنون لو ملكوا بعضا منها ليحاربوا الأعداء ويحرروا سيناء ويعودوا إلي بلداتهم وليعيدوا الكرامة لوطنهم كله.. هذا الشوق المتأجج الجميل المفعم بالتحدي الوطني قدر مصرية المعركة علي مستوي وجودي لموقع الأمة المصرية نفسها بين الأمم جاء انتصار أكتوبر المجيد ليلبيه وليهدئ سريرة المشتاقين بالعودة إلي الشوارع والبيوت والحارات في مدينة الخيالات الأسطورية الإسماعيلية..
في مدينتي مسقط رأسي فجعت للمرة الأولي وأن أري بأم عيني الرئيس السادات بسيارة الرئاسة المكشوفة يجاوره، الصهيوني مناحم بيجين.. طلباً لأن يخرج الناس لتحية ضيفه.. وللدهشة هناك من خرج.. وعرفت لأول مرة كيف يمكن للبعض أن يفعل عكس قناعاته وعكس ما حتي فطرنا عليه من إيمان بالوطن وبمقاومة العدو الإسرائيلي المحتل، إرضاء للحاكم.. !!
كنت بعدي صبيا في بداية سن المراهقة عندما وقفنا أنا والأصحاب في الشارع نتكلم عن حظر للتجوال فرضه السادات بعد مظاهرات يناير ضد الغلاء ووصفها النظام بانتفاضة الحرامية وقضت المحكمة بكونها ثورة شعبية مكتملة الأركان.. !!
وكنت شاباً في جامعة الزقازيق عندما وقعت مظاهرات الاحتجاج علي ملابسات مقتل البطل سليمان خاطر، وعندما اهتز البلد كله خلال أحداث الأمن المركزي..، كنت هنا في الإسماعيلية بين نفر من مواطنين شكلوا المعارضة المعلنة المبكرة ضد نظام مبارك وواحد من مئات الآلاف خرجوا إلي الشوارع طلباً لإسقاطه ولتغيير النظام، وكنت هنا في قلب معركة الوجود ضد الإخوان وحلفائهم من تنظيمات الخوارج والجماعات التكفيرية الوهابية والسلفية...
أري اليوم البعض ممن غابت عنهم الدنيا ولم يكونوا طرفاً في أي حدث وإنما غيبهم اللهاث في مواكب ومعازف الأنظمة كلها.. فكانوا مع مبارك ومرسي واليوم هم مع الرئيس، وسيكونون غداً بالضرورة مع من يأتي بعده.. صاروا يفتون في شئون الوطن وتصور لهم خيالاتهم بأن علينا أن نسمع خرفهم ونكون بين الصامتين..و قطعاً لن نكون، فالسكوت عنهم حرام عند أصحاب الوطن. » مؤسف »‬ أن هناك من يحلو لهم سماعهم !!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف