محمد درويش
نقطة في بحر - أعطوا الأجير حقه
في القول المأثور أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه، والمعني واضح يجب علي الأجير أن يكد ويتعب ويتفاني في أداء عمله وبمجرد الانتهاء منه علي الوجه الأكمل فعلي من استأجره أن يعطيه حقه.
والحق هنا قد يكون اتفاقاً مسبقاً قبل العمل، إتفاقا راعي فيه من استأجره ربه ليمنح الأجير ما يجعله راضياً بحصوله علي ما يكفيه من أجل نفسه واسرته التي يعولها.
وقد يكون الاتفاق عقد اذعان لم يراع فيه من استأجر حق رب العباد قبل العباد، ورضخ الأجير في ذلة وخنوع هي سمت معظم البشر عندما تضيق بهم السبل وتضطرهم الظروف الي قبول ما لا يمكن قبوله في آن آخر ومكان مختلف.
هذا يقودنا إلي قراءة العقود التي تبرمها الحكومة مع موظفيها الذين رفعوا شعار »علي قد فلوسهم« طالما لا يستطيعون - الا من رحم ربي - اللجوء الي الرشوة كأسلوب حياة كما يصفه الكثيرون الآن.
هناك تفاوت بين زملاء الدفعة الواحدة واصحاب المؤهل الواحد ربما يكون هذا التفاوت مقبولاً إذا كان من نصيب هذا العمل في جهة ما تغدق علي من يلتحقون في العمل بها، والآخر ألقت به المقادير في ادارة علي قد حالها في جهة حكومية تقدم خدمة ولا تجني أرباحاً أو مالا تغدق منه علي العاملين بها.
في معظم دول العالم يتمتع موظفو الحكومة بمالا يتمتع به أصحاب الوظائف في اماكن اخري، أما في بلادنا فإن العكس صحيح، سنقول أننا لا نحتاج من العاملين في الجهاز الإداري للدولة الا لاقل من ثلث العاملين به، سنلعن الزيادة السكانية وأنها وراء تكدس الموظفين وبحسبة بسيطة سنجد أن مخصصات وزارة ما في بلد ما ربما تكون واحداً علي مائة عند مقارنتها بمخصصات نفس الجهة في بلادنا، لكن هناك هذه المخصصات تقسم - مثلا - علي عشرة من العاملين أما عندنا فيتم تقسيمها علي ألف.
ولا أستطيع تحميل المواطن أية مسئولية عن شظف العيش الذي يعانيه، الإدارة مهما كانت مستوياتها هي التي يجب ان تخطط وتوجه وتستثمر البشر وتؤهلهم لما تضعه من خطط وأهداف تريد تحقيقها.
أما أن نلوم ونظل نلوم الشعب ونتهمه بأنه لا يعمل ولا ينتج ويكتفي بالشكوي أو اللجوء لاساليب غير شريفة ليربح من وظيفته، فعلينا قبل ان نلوم وقبل أن نحمل المواطن المسئولية ان نعطي الاجير حقه قبل أن يجف عرقه.. بشرط أن يكون قد تصبب عرقاً فعلاً وهو يؤدي دوره.
> > >
«ولو تراحم الناس ما كان بينهم جائع ولا فقير»
كلمات من بداية نص للمنفلوطي كان مقرراً علينا في المرحلة الإبتدائية أي منذ أكثر من خمسين عاماً، ولا أعرف هل مازال هذا النص مقرراً حتي الآن أم أن وزارات التربية والتعليم المتعاقبة رأت بعد سنوات من فرض النص في المناهج أن صاحبه مثالي أكثر من اللازم بدعوته إلي المدينة الفاضلة التي ستظل حلماً إلي قيام الساعة وإلا ما كانت الآخرة ولا الجنة ولا النار.
الكل يشكو من الغلاء، والكل يصطلي بسعيره والكل يتهم الكل ولا أحد يرحم أحداً إلا قلة نادرة تري في القناعة كنزا لا يفني.
سنظل في هذا السعير طالما هانت علينا سبل الحق ونظرنا تحت أقدامنا ونعتبر أن ما اكتسبناه وليس ما كسبناه هو الحق كما نراه نحن وليس كما فطرنا الله عليه.