«وحول اتخاذ إجراءات إصلاحية جديدة خلال العام الحالى قال وزير المالية إنه لا توجد موجة جديدة لرفع أسعار سلع أو خدمات فى ضوء الأوضاع السائدة». الفقرة السابقة جزء من خبر نشره موقع «المصرى اليوم»، ويشتمل على تصريحات لوزير المالية عمرو الجارحى، على هامش المشاركة فى مؤتمر «الشمول المالى». لو تأملت التصريح جيداً فستجد أن زواجاً تم بين فكرة الإصلاح الاقتصادى ورفع الأسعار. فثمة رباط أصبح متيناً فى ذهن المواطن بين حديث الحكومة عن إجراءات الإصلاح الاقتصادى وتوقع ارتفاعات جديدة فى أسعار السلع والخدمات. الإصلاح أصبح يعنى «الرفع»!. كثير من الإجراءات التى اتخذتها الحكومة، سواء فيما يتعلق بتعويم الجنيه، أو خفض الدعم، كانت مضطرة إليها فعلاً، ربما لم تحسن الحكومة اختيار التوقيتات، ولم تتمكن من التعامل الناجح مع آثارها الجانبية على الفئات الأكثر احتياجاً، لكنها كانت خاضعة فى النهاية لـ«حكم المضطر». لكن هذا أمر، وتركيز مسألة الإصلاح الاقتصادى فى رفع الأسعار أمر آخر.
واضح أن الحكومة توكلت على الله وعزمت على أن تجعل من المصريين أدوات لحل مشكلتها. مسألة الشمول المالى وتحويل كافة التعاملات المالية إلى البنوك يقع فى جانب منه فى هذا السياق. ولا خلاف على وجود العديد من الإيجابيات والضرورات لهذا النظام. فالتعامل من خلال البنوك سيحمى المواطن من عمليات النصب والابتزاز. على سبيل المثال مصروفات المدارس الخاصة تزيد بنسبة معينة -طبقاً لقرار وزارى- كل عام، وأغلب المدارس لا تلتزم بهذه النسبة، بل تزيد عليها، وقبل هذا النظام كان المواطن مضطراً للدفع، لكن بعد تطبيق الشمول المالى ستختلف المسألة، حين يدفع فى البنك الذى سيلتزم فقط بتحصيل نسبة الزيادة المقررة.
ثمة هدف آخر من وراء تطبيق نظام الشمول يتمثل فى زيادة عدد عملاء البنوك والمصارف لضخ الأموال التى توجد تحت البلاطة إلى البنوك. هناك أرقام تقول إن نسبة المتعاملين من المصريين مع البنوك لا تزيد على 15%. وأحد أهداف الشمول المالى رفع نسبة المتعاملين إلى 50%، وهو ما يمكن أن يضاعف أرصدة البنوك بصورة كبيرة، ويوفر للحكومة مصادر تمويلية جيدة للعديد من المشروعات. يبدو أن الفكرة تولدت لدى المسئولين عندما عاينوا كم الأموال التى خرجت من تحت البلاطة للمساهمة فى شراء شهادات مشروع حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس منذ عامين. ومن المهم الإشارة فى هذا السياق إلى أن فاسدين كثيرين وكباراً يعمدون إلى إخفاء أموالهم بعيداً عن القنوات المالية الرسمية، حتى لو اقتضى الأمر تخزينها فى البيوت، ولعلك تذكر الملايين التى تم ضبطها مع «اللبان»، بطل قضية «رشوة مجلس الدولة». لو كان هدف نظام الشمول المالى وضع آليات دقيقة للرقابة على مصادر الدخل، ودرجة الالتزام فى إدارة العمليات الاقتصادية فنعم النظام، أما إذا كانت ثمة أهداف أخرى للنظام هدفها مجرد جمع أموال المصريين، بغرض الاستفادة منها، فهو يعيدنا من جديد إلى نفس الطريق الذى تعودت عليه الحكومة فى حل مشكلاتها عبر مدخرات المواطنين، بعد أن شطّبت على «جيوبهم»!.