المساء
محمد جبريل
من المحرر - ماذا تبقي لنا أن نفعل ؟
الابداع هو إضافة شئ جديد إلي الوجود لكن لابروبيير يذهب إلي القول: "كل شئ قد قيل. وقد أتينا بعد فوات الاوان. منذ ما يزيد علي سبعة آلاف سنة. حين وجد أناس ومفكرون. أما العادات فقد انتزع خيرها وأجملها ولم يبق لنا إلا ان نلتقط سقط المتاع علي إثر ما جمعه الاقدمون" ويقول الكاتب الايرلندي أوفلارتي: "إن أشد ما يؤلم الكاتب هو معرفته ان كل ما يقدمه قد قيل من قبل" أصعب الامور. أو أقساها. أن تبدع عملاً بتصور أنه غير مسبوق ثم يبين توارد الخواطر- هذا هو التعبير الذي تفضله النصيحة المشفقة- عن الاعمال التي تلقي علي عملك- غير المسبوق- ظل التأثر. وقد بدأ اهتمام جابرييل جارثيا ماركيث بفن القصة حين قرأ قصة "المسخ" لكافكا قرأ في أولها هذه الجملة عندما صحا جريجور سامسا ذات صباح. بعد أحلام مقلقة وجد نفسه قد تحول إلي خنفساء وأغلق جارثيا الكتاب فزعاً وهو يهمس لنفسه: هل يمكن ان يحدث هذا؟ وكتب- في اليوم التالي- أول قصة له. وللكاتب الامريكي اللاتيني الفريدو كاردينا بنيا قصة بعنوان "آثار النمل علي الرمل" يعتذر لقرائه- بداية عن إخفاقه في العثور علي قصة جديدة لم يسبق أن قرأ مثلها وعلي حد تعبيره فإن ألف ليلة وليلة مخزن لاكبر عدد من القصص الانسانية لقد أصبح هذا الكتاب نبعاً ثرياً متعدد الروافد للعديد من القصص والحكايات التي تروي في كل أنحاء العالم وجعل الكثير من الكتابات التالية لصدوره مجرد تقليد. أو نقل غير مبدع وتنقل الراوي/ الكاتب بين العديد من موضوعات الاحلام والحب وحكايات الجنيات والعفاريت وقصص الفزع والاشباح والارواح الشريرة ثم توصل- أخيراً- إلي قصة وجد فيها تفرداً عن كل ما سبق تأليفه من قصص: "كان ذات مرة" وقرأ القصة علي متلقين كثر في أنحاء العالم. ثم اسلم عينيه لاغماضة الموت. وهو يبتسم في هناءة!
إذا كان هناك من يظن أنه ابتكر قصة فإن هناك من اخترعها قبله وعلي حد تعبير ارسون euerson فإن الاعمال حتي الاصيلة ليست اصيلة بمعني ان الاصالة لاحقة لاعمال سابقة وكما قيل فإن الشعر لايمكن صنعه إلا من قصائد أخري والروايات لايمكن صنعها إلا من روايات اخري والادب يشكل نفسه ولايشكل شيئاً خارجاً عنه وكل شئ جديد في الادب هو إعادة تصنيع لشئ قديم ليس ثمة تقدم في الفن بل تغير ومحطات وصول جديدة فقط فهل كل الكتاب الذين ماتوا والذين يعيشون ومن سيولدون في الدنيا- والتعبير لانريكي أندرسن إمبرت- مجرد أناس يقومون بالتكرار والتقليد وإعادة السبك والانتحال ووجود صلات ضعيفة أو قوية بين النصوص؟
الكثير من الابداعات الروائية والقصصية لا يضيف شيئاً إلي القصة والرواية إنه مقيد بسيطرة العادي التقاط سقط الحصاد لن يضيف إلي الفن ولا إلي الفنان والتعبير عن الخصوصية هم كل الادباء- أو هذا ما أقدره بصرف النظر عن انتماءاتهم السنية أو الفنية ليس بأمل ان يجدوا قارئاً لم يقرأ الاعمال السابقة عليهم وإنما بأمل ان يجد القارئ تميزاً وإضافة عما كتبه أدباء الاجيال السابقة.
مشكلة المبدعين- في زمننا الحالي- هي ما عبر عنه موباسان منذ عشرات الاعوام في قوله: من يكتب اليوم لابد ان يكون مجنوناً أو جسوراً أو وقحاً أو غبياً فبعد كل هؤلاء الاساتذة العباقرة ماذا تبقي لنا ان نفعل؟ ماذا نقول بعد كل ما قيل؟.. من منا يمكنه ان يفخر أنه كتب صفحة أو جملة. لا يوجد مثلها في كتاب ما".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف