الأهرام
محمد الرميحى
الطريق المسدود لحكم الإسلام السياسى !
الاثنان تركيا وايران، يعتمدان بدرجات مختلفة على ( مقولات اسلامية فى الحكم) كما يفهمانه، وكلاهما لديه مشروع سياسى للتصدير ، الاول يرغب فى تصدر (ولاية الفقيه) والثانى يرغب فى تصدر (الديمقراطية المحافظة بنكهة تركية) يشتركان فى استخدام ( الدين) كوسيلة للتصدير، وفى تحديد ( الزبائن) او المجال الحيوى وهى البلاد العربية، متى ما فُتحت ثغرة للتدخل لهما للولوج الى الفضاء العربي. المشروع الايرانى واضح المعالم كما ان ادواته لا تُخفى تفسها ،سواء جماعات منظمة فوق السطح، او تحت جلدة المجتمعات العربية، او مليشيات من البر الايرانى .

المشروع التركى فيه غموض فهو لم يستطع ان يتحدث عن مشروعه علنا، ولكن لا يتردد فى الاستفادة من ادوات يلحقها به، وفرص تبدو له سانحة فى الشقاق العربي، كما ان المشروع موجود فى ادبيات حزب العدالة والتنمية، المشروعان الايرانى والتركى كما يحملان بذور نجاحهما فى المنطقة الى حين ، فإنهما يحملان في، الوقت نفسه بذور فنائهما كل من زاوية، الاول يعمل (خارج مسيرة تاريخ الشعوب،وفشل فى جلب الحرية والعدالة والرفاه للشعوب الايرانية ) وقد بدأ الانصراف عنه ،والثانى يتوجه بسرعة الى وضع نفسه ايضا خارج تلك المسيرة، وان حقق فى بدايته نجاحا اقتصاديا. الحديث اليوم حول ( المشروع التركي) وهو مشروع لا يلاقى قبولا من جماعات سياسية تركية فى الداخل ، كما انه مشروع يتعثر داخل الطيف التركي، الا انه يلقى قبولا من تيار عربى فى طيف الاسلام السياسى .

المشروعان يتوجهان الى التدخل العسكرى النشط فى دول الجوار ، وهو تدخل يحمل مقاومة من داخل المجتمعات العربية ، لذلك فان النتيجة التى سوف يصل اليها ذلك التدخل العسكري، هى النتيجة نفسها التى وصل اليها (اى تدخل عسكري) بصرف النظر عن تسميته، وهى الخسران! لنطلع على بعض الشواهد، فاول فتلة من حبل مشنقة صدام حسين، فتلت يوم اجتياحه الكويت، وبداية افول الامبراطورية السوفيتية، من تاريخ تدخلها فى افغانستان.

المشروع التركى بدا من وسط التسعينيات وحتى العشرية الاولى من القرن الحادى والعشرين يحقق نجاحا نسبيا ،حيث جذب انتباه النشطاء العرب, بذوره كما نعلم فى السبعينيات، وانطلاقه جزئيا من خلال عمل اسلامى سياسي، كان الى حد ما ردا غير مباشر على هزيمة العرب فى عام 1967، و اعتمادا على ادبيات ا(لاخوان) التى ترجمت بكثافة الى التركية ! كما استفاد من التوجه الليبرالى لعهد كل من عدنان مندريس( اعدم سبتمبر 1961 و سليمان ديمريل الذى حكم اكثر من فترة بين 56/93) بدا ان هناك (توليفة) ناجحة تتشكل ببطء بين (تيار اسلامى سياسى، وبين حداثة تحقق تنمية للناس) فى الفضاء التركي، و تدفق الغزل تدريجيا على المشروع، خاصة مع بداية العشرية الاولى من القرن الحالى، لم يكن هذا الغزل العربى بعيدا عن العاطفة ، كما لم يكن مقصورا على الاسلاميين ، فقد اخذ هذا المشروع السياسى الاسلامى منذ ان توسعت له طرق العمل العلنى فى عهد الرئيس ( الكردى) تورجوت اوزال، وبقيادة رجل تاريخى هو نجم الدين اربكان، يلفت نظر سياسين فى بلاد اسلامية عديدة ، اربكان انشأ عددا من الاحزاب ذات الطابع الاسلامى فى مجتمع استقرت لديه (العلمانية) وظهر انه ( فتح جديد) فى الفضاء السياسى التركى ، فمن حزب النظام الوطنى، الى حزب الفضيلة الى حزب الرفاه، كانت كل تلك الاحزاب بقيادة اربكان تصل الى الطريق المسدود، ويتم حلها من قبل السلطة المهيمن عليها من العسكر، رغم انه نفسه ( اربكان) وصل الى السلطة وبقى فيها فترة وجيزة . التغيير فى ايران اثر على الفضاء التركى السياسى من ناحية جاذبية الشعار الاسلامي، الا انه لابد ان يتلون بلون تركى فى توليفة (ديمقراطية من حيث الشكل الخارجى وقومى من حيث التطبيق) لزوم الاتساق مع القيم الغربية التى نظرت تركيا الى الالتحاق بها فترة طويلة، فكان ان اسس حزب العدالة والتنمية فى اغسطس عام 2001 من كثير من الكوادر التى عملت للاحزاب السابقة ، احزاب الفضيلة والعدالة و الرفاه، الا ان الحزب الجديد أخذ بخطاب تصالحى فى البداية حديثة الافكار وقيادة شبه جماعية. فى هذه الاثناء كان نمور الاناضول من الصناعيين الاتراك قد حققوا نهضة صناعية لافتة، ساعدتهم اصلاحات تورجوت اوزال، و قوانين المستويات الاوروبية للجودة فى اتقان اعمالهم والتى كانت تركيا تجهد لتوأمة قوانينها التجارية والصناعية والتعليمية مع اوروبا، تمهيدا لتحقيق حلم الدخول فى السوق الاوروبية المشتركة! النجاح الاقتصادى فى العشرية الاولى من القرن الحالى فى تركيا يحسب للاصلاحات الاقتصادية السابقة،وايضا لإدارة السيد رجب اردوغان التشاركية فى البداية، ابن حى استنبولى فقير، ومتميز فى كرة القدم،. والذى ادار بلدية استنبول العاصمة التجارية بنجاح، وربما اورثت تلك العناصر السيد اردوغان شيئا من الغرور المرضي، فبدأت المغامرات السياسية تأكل من رصيد تركيا على الصعيدين الداخلى والخارجى.

وتحول الأمر من صفر مشاكل إلى هرم مشاكل. فعلى الصعيد الداخلى بدأ السيد اردوغان يمشى على تقاليد الجمهورية منذ ان نشأت بالممحاة، فقد كانت تركيا الديمقراطية قد استقرت ان تفصل بين منصب رئيس الحمهورية، و منصب رئيس الوزراء، ومنصب رئيس الحزب، فقرر اردوغان الجمع بينهم الثلاثة، كما فعل أتاتورك! و حيث ان هناك اربعاً وثلاثين اثنية فى تركيا و يعتمد حزب العدالة على تأييد شعبى عابر للاثنيات من مكانين مهمين، هما اولا الطريقة الصوفية النقشبندية ،اوسع الطرق الصوفية فى تركيا واكثرها ارتباطا بالسياسة، و الثانى هم جماعة ( الخدمة) المرتبطة بزعامة فتح الله جولن ، ذات الانتشار الواسع.، حتى وقع الخصام مع الاخيرة، و اتهمت بالضلوع فى محاولة الانقلاب ( 14 يوليو 2016) فاصبح اعضاؤها مطاردين ،وتم تصفية عدد ضخم من الذين اعتبروا متآمرين من الحركة ومن الحزب ، قلص ذلك من الشعبية للحزب ، كما قلص من الحريات العامة فى تركيا .

على الصعيد الخارجى تذبذب القرار التركى تجاه روسيا و سوريا و العراق ومصر واسرائيل ، بل واوروبا بين شد وجذب، بسبب تصريحات ومواقف السيد اردوغان السياسية التى ظهرت فى كثير منها ( غير منضبطة)، بل حتى التدخل فى الخلاف الخليجى الذى تذبدب فيه الموقف التركي، بين تأييد طرف، ومحاولة التوسط فى الوقت نفسه، حتى النجاح فى تقليص دور العسكر بدأ بالاهتزاز ، فالاعتماد عليهم فى تمكين سياسة خارجية، يعيد لهم فى وقت ما سلطتهم المسلوبة، كما حدث فى ارسال قوات عسكرية تركية خارج الحدود. لا يخفى ان تكاليف سياسة السيد اردوغان بدأت تفوق عوائدها، و تتعرض كل التجربة بما سلب منها من آليات ديمقراطية، ونجاح اقتصادى لتصبح اثرا بعد عين! الازمة المكتومة اليوم فى تركيا تتلخص فى سطر واحد هو ( الانفراد بالسلطة) وضمور قاعدة اتخاذ القرار، يقلب النجاحات الى اخفاقات! وتصبح تركيا نسخة فى العمق غير مختلفة عن ايران! اى نهاية الطريق لما عرفناه فى منطقتنا بحكم الاسلام السياسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف