الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
سنة أُولىَ مصر
يكفى لكل أب أو أم، فى بيوت هذا الوطن، أن يقتطعوا من شواغلهم التى لا تنتهي، دقائق لإدارة حوار مع الأبناء، لنكتشف بعده أن جيلاً جديداً تفتح وعيه،ليبصر أول ما يُبصر، معالم عصر (الفوضى الخلاقة)، حيث الأوطان تُفكك، والثوابت حتى الإنسانية منها تُهَدَّم، والشعوب فى مستنقعات الفتن تُغْرَق، والعقول فى محرقة فنون العولمة تُصْهَّر، ليُعاد إنتاج مواطن (العالم الجديد)، هذا المواطن الخالى من كل عناصر الانتماء، والمخلوع عن أى جذور للهوية، والمنتمى إلى مصلحته حتى وإن كانت مع شركة الأبالسة المتحدين! ومهما بلغت (رَوْشَّنَة) الأبوين، سيكتشفان بعد دقائق معدودة من حوار الأبناء، أن جيلاً جديداً بدأ الخطو نحو الوصول إلى محطة (مواطن العالم الجديد)، وأن أبناءنا قاب قوسين أو أدني، من أن يحملوا رقماً متميزاً فى قائمة الضحايا لمؤامرة قديمة على مستقبل هذا الوطن، إننا أمام جيل أنجبه عصر الانفتاح الساداتي، ثم زمن شيوع الفساد والإفساد المباركي، وخلفهم جميعاً جيل ذاق هزيمة الحرب وتجرع مرارات انهيار المشروع القومي، حتى بات الجيل الجديد نتاجاً لتضافرا جينات وطنية مشوهة، وعوامل خارجية تستهدف التشويه.

وأياً كانت ثقافة الأبوين وقدراتهما المالية، سيظل سؤال المصير يقض مضاجعهما خوفاً على المستقبل المتجسد فى الأبناء، أو الجيل الجديد من المواطنين، والمصير هنا يتجاوز حدود المأكل والمشرب والمسكن، ويتعدى آمال الشهادات الجامعية والطموحات العملية، ليصبح إلى أى شيء سينتمى أبناؤنا؟، وحول أى نقاش سيجتمعون؟، ومن أى أرضية للهوية سينطلقون، وبأى لغة سيتحدثون، كيف سيتسامرون ويضحكون ويبكون ويبدعون وينجحون ويفشلون؟، باختصار كيف سيعيشون فى كوكب فرضت سيدته أمريكا على سكانه أن يتعاملوا معها باعتبارهاعالماً متقدماً بينما ما عداها عالم ثالث، وعلى مواطنيه أن يكون أقصى طموحهم هو الهجرة من ريف الدنيا المتخلف، إلى حاضرتها أمريكا المتقدمة. وبدافع الصدمة المؤهلة لليقظة، يجب أن يتنامى قلق كل ولى أمر فى هذا الوطن على المستقبل ممثلاً فى أبنائنا، حين يكتشف أن صياغة وعى هذا الجيل بات خارجاً عن كل سيطرة أو فعل تحصيني، يستوى فى ذلك خطر المد الإلكترونى مع التليفزيوني، ويتداخل فى كلٍ استهدافات متنوعة، لكن أكثرها دقة وتنظيماً ووعياً بالأهداف، هو المد الإخوانى الذى يتحرك بكل أريحية ناشراً جراثيم أفكاره فى فضاءات عقول الجيل الجديد.وحتى تكون الصدمة موجعة، حدَ الدفع للبحث عن علاج، ونحن على أعتاب عام دراسى جديد، يحمل أحد أولياء الأمور لكاتب هذه السطور ورقة مدرسية لمتابعة تلميذ فى الصف الأول الابتدائي، يؤكد الأب أن صياغة (جدول المتابعة) فيه شيء أثار قلقه، وبمطالعة الورقة تكتشف أن فيها رائحة (تنظيمية)، وهى الرائحة التى ثبت أصلها بمجرد متابعة منهج الأشبال فى تنظيم الإخوان، حيث تبين أن جدول المتابعة الذى وصل الأب من المدرسة، ما هو إلا ملحقات لمنهج الرشاد الذى يربى عليه التنظيم أطفالنا، يتم تطبيقه فى المدرسة التى تبين أنها إحدى المدارس الخاضعة للحراسة من الدولة! ولكى تتجاوز الصدمة حد الألم، ينبغى أن نستوعب أن استهداف الجيل الجديد، من أعداء هذا الوطن، تجاوز فى مخططات التنظيم الإخوانى حد استهداف الجيل الجديد، إلى استهداف المنظومة التعليمية كلها، فأعد حملة عنوانها المعلم أولاً، وقرر البدء فى تنفيذها خلال الربع الأخير من 2017، ساعياً إلى تحقيق الإرباك الإدارى والاقتصادى للنظام عبر رفع مطالب المعلمين، لاحظ هنا أن الإرباك والإنهاك هدف تكتيكى مستمر، ولكن التنظيم كلما أربك النظام التعلمى سنحت له الفرصة ليسيطر على العقول، ولذا قرر التستر برفع مطالب المعلمين ليصل إلى غايته، ومن أهم هذه المطالب بحسب خطة التنظيم إقرار كادر حقيقى للمعلمين -تثبيت كل المتعاقدين -إعادة تسكين 30 ألف معلم فازوا فى المسابقة الأخيرة -صرف حافز الإثابة لكل المعلمين بقطاعات التعليم المختلفة - أن تكون الحوافز والبدلات وفق أساسى 2017 - وقف مسلسل القرارات الوزارية المفاجئة - منح المعلمين صلاحيات واضحة فى التعامل مع الطلبة - تجميد قرارات الوزير الأخيرة بشأن منظومة التعليم وبعض المقررات الدراسية -إعادة النظر فى تطبيق قانون الخدمة المدنية إداريا على المعلمين، وهذه المطالب التى تخاطب أمانى المعلمين مجرد استثمار يصب فى مصلحة هدف التنظيم الأساسى من هذا الفعل وهو كسر حاجز الخوف، وتشجيع فئات المجتمع المختلفة على المطالبة بحقوقهم والضغط فى اتجاه تصعيد الموقف، وصنع توتر بين المعلمين والدولة.

إن كل ولى أمر فى هذا الوطن، بدءا من أصغر وحداته الأسرة، وصولاً إلى المفوص بالإدارة، ومن يمثله فى كل قطاعات الدولة، الجميع أمام تحدٍ حقيقى للبقاء، لإنقاذ جيل الأبناء، الذى خلفته هزائم متعاقبة وحملات تجريف متتابعة ومؤامرات متعددة، وهو ما يدعو لأن تتضافر الجهود لصناعة وعى الإنقاذ، بمستوياته المتعددة بداية من كل جالس على كرسى الإدارة، وصولاً إلى مسئولية الفرد فى الدفاع عن مستقبله، إننا بحاجة إلى أن تتضافر جهود الشاشات والنوافذ والمنابر لتصبح فصولاً مفتوحة لمحو الأمية الوطنية، تقود الجميع لتلقى دروس أولية فى الوطنية، فى فصل واحد مكتوب على بابه (سنة أولى مصر).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف