الأهرام
أنور عبد اللطيف
النمنم ..والتشابه بين الرئيس عبدالناصر والملك فاروق
ذهبت الى مكتب الوزير الصحفى حلمى النمنم بالزمالك، واقتنصت فرصة إهدائه كتابى (هيكل .. الوصايا الاخيرة)..وبدأت حديثا عفويا من القلب عن قيمة الاستاذ هيكل.. أستعيد منه هذه الزاوية التى أعجبتنى لغة الوزير فى التصالح مع التاريخ حين قال: كان رأيى أنه فى تاريخ مصر والإنسانية لا توجد مهنة عظيمة ومهنة حقيرة، كل المهن متساوية، لكن هناك مهنة يعبر عنها ناس كبار ومهنة أخرى يعبر عنها ويمثلها بشر دون المستوى، والدليل على ذلك مهنة الطب مثلا، فى وقت من الأوقات عندما كانت فى يد حلاق الصحة كانت مهنة متدنية، لكن عندما أنشئت كلية الطب فى مصر صار عندنا على باشا إبراهيم والعلامة الدكتور نجيب محفوظ وغيرهما، وكذلك الأمر فى الصحافة، عندما ظهرت فى البداية، نظر إليها على أنها مهنة النميمة والوقيعة بين الناس ففى قضية زواج الشيخ على يوسف، رفض القضاء قبول شهادة الصحفى أمام المحكمة لعدم الثقة فى مهنته، لكن كبرت المهنة حين عبر عنها صحفيون كبار، كان فيها عبد الله النديم الزعيم العظيم وكان فيها طه حسين فقبل أن يصير عميدا للأدب العربى كان كاتبا صحفيا، وكان فيها عباس محمود العقاد، وشاهدنا صحفيين يحصلون على الباشاوية من هذه المهنة مثل فكرى باشا أباظة، وشاهدنا المعلم محمد التابعى ثم جاء محمد حسنين هيكل ومصطفى وعلى أمين وإحسان عبد القدوس وحسين فهمى، والأستاذ هيكل أتيحت له من خلال ممارسته المهنة أشياء عظيمة، حين صادق صادق الرئيس عبد الناصر وحين خاصم واختلف خاصم الرئيس السادات، وبالتالى وضع المهنة فى مكانة راقية، ونستطيع أن نقول أسماء كثيرة فهناك أحمد بهاء الدين وكامل زهيرى وأحمد ومحمود أبو الفتح، وغيرهم ممن كبرت بهم هذه المهنة، ولما أطلق زملاء الأستاذ هيكل عليه تعبير الصحفى الأوحد، وكان هذا التعبير ينم عن غيرة شخصية، واختزالها فى قدرة الرجل فى الحصول على المعلومات ففى بداية ظهورالرئيس عبد الناصر لم يكن هيكل الأقرب إليه بل كان هناك كثيرون من الأصدقاء والمعارف منهم فكرى أباظة وحلمى سلام فى المصور وكان عبد الناصر يذهب إليه فى مكتبه، وكذلك كان حسين فهمى الذى صار نقيبا للصحفيين ومصطفى وعلى أمين وإحسان عبد القدوس ثم تسربوا من حوله ،لأنهم لم يستوعبوا التطورالذى حدث فى فكر وشخصية الرئيس عبد الناصر ومكانته، عكس هيكل الذى استوعب هذا الرجل وتعامل معه كرئيس وزعيم وهم تعاملوا معه كمرشدين له وكأصدقاء وبعضهم تعامل معه بتعال وبأستاذية، وظن بعضهم غرورا أنه جاهل بالحياة المدنية وتلميذ فى ملعبهم، لم يفهموا البعد النفسى والانسانى لعبد الناصر ابن هذه المرحلة وهم كانوا أبناء المرحلة السابقة!

صحيح كانت رؤية عبد الناصر تتطور مع الأحداث مثلا موقفه من الصراع العربى الاسرائيلى تغير بعد فضيحة لافون المعروفة بإسم سوزانا عام ١٩٥٤ثم العدوان على غزة سنة 1955وموقفه من التنمية والتوجهات الاشتراكية لم يظهر الا بعد أن يئس من الحلول الأخرى، القصد أن القضايا الكبرى ليس المعيار فيها من الذى طرحها ولكن من الذى نفذها، مثلا الاستقلال التام أو الموت الزؤام والتحرر من التبعية والاستعمار مطروح من أيام احمد عرابى، وتأميم قناة السويس مطروح منذ ١٨٩٨ حين اصدر طلعت حرب كتابه تمصير القناة، لكن الذى نفذ الاستقلال الوطنى هو جمال عبد الناصر، حتى الملك فاروق كان يكره الانجليز منذ حادث فبراير ١٩٤٢ لكن العبرة بالتنفيذ، يواصل النمنم :كتبت مقالا زعل البعض وقلت إن ما بين الملك فاروق وعبد الناصر من التشابه اكثر من نقاط الاختلاف، كلاهما يكره الانجليز بشدة وكذلك اتفقا فى كراهية الشيوعيين بشدة والموقف من الوحدة العربية ففى عهد الملك فاروق انشئت الجامعة العربية، وفى عهد عبد الناصر تجددت الدعوة الى الوحدة والقومية العربية، اتفقا أيضا فى الموقف من الاخوان والتطرف الدينى، وهكذا فيما عدا نظام الحكم كان عبد الناصر اقرب الى الملك وفاروق اقرب الى فكر الرئيس لأن تاريخ مصر وعبقرية مصر هى التى تحكم وليس الاشخاص، ..وهكذا نجح الاستاذ هيكل يرحمه الله فى فهم الابعاد النفسية والسياسية للرئيس وحدود دوره كصحفى يعمل بالسياسة فى اطار النصح والتنفيذ، وأسندت اليه مهام وزارة الإرشاد وقام بعمل وزير الخارجية لفترة، وهكذا.. بفضل الأستاذ هيكل كبرت المهنة..وبعد أن كان لا يؤخذ بشهادة الصحفى أمام المحاكم أوائل القرن الماضى صار مشاركا وصانعا للأحداث والقرارات المصيرية.

.........

شكرا معالى الوزير حلمى النمنم.. احترامك للتاريخ وخروجك عن الموضة السائدة بتشويه الرموز والقمم والزعماء من عبد الناصر والملك فاروق حتى أديب نوبل نجيب محفوظ وأهل بيته!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف