محمود سلطان
المشايخ يحتاجون إلى "تدريب" وليس إلى "تأديب"!
قررت جامعة الأزهر، إحالة د. صبري عبد الرءوف، وكذلك د. سعاد صالح إلى مجلس التأديب؛ على خلفية ما نُسب إليهما من فتاوى "شاذة"، أثارت استغراب وغضب الرأي العام.
ومن المقرر أن تُوقّع عليهما إحدى العقوبات الخمس التي وُردت في لائحة الجامعة، وهي: "العزل أو الفصل، والحرمان من المكافأة أو العزل مع المكافأة، واللوم وتأخير العلاوة، واللوم فقط، وإنذار بالفصل".. وذلك بحسب تصريحات صحفية نُشرت يوم أمس 19/9/2017، لنائب رئيس جامعة الأزهر، د. أحمد حسني.
ومن الواضح أن رئيس الجامعة اتّخذ هذا القرار تحت تأثير عصبية المشهد وتوتره.. فنائبه قال أمس الأول أيضًا، إن التحقيقات ستُجري خلال 72 ساعة!! أي بشكل عاجل وسريع.. وكأنها محاكمة عاجلة واستثنائية.
وأنا شاهدت تعقيب د. صبري عبد الرءوف، على ما نُسب إليه في مداخلة له مع معتز الدمرداش في برنامج "90 دقيقة" على "المحور".. ومن تعقيبه فهمت أنه "تورط" ـ بطيبة وبحسن الظن وبسلامة نية ـ في الإجابة عن سؤال "افتراضي" بشأن مضاجعة الرجل لزوجته المتوفاة.
وتعلمنا نحن في الصحافة، أنه لا يجوز الإجابة عن الأسئلة الافتراضية، بل أحيانًا يدرب الصحفيون على استخدام مثل هذه الأسئلة من قبيل "الكمائن الصحفية".. لأنها عادةً ما يُقصد بها توريط المصدر، في الإجابة عن أسئلة "افتراضية"، قد تُسبّب له أزمةً مع الرأي العام.. وقد تخصم من رصيده السياسي أو الحزبي أو المهني وما شابه.. فيما تخرج الصحيفة بمكاسب أكبر في التوزيع والإعلانات.
في صيف 2007، سأل مراسل صحيفة "الحياة اللندنية" في القاهرة، القيادي الإخواني البارز، عصام العريان، ماذا ستفعلون في اتفاقية "كامب ديفيد" حال وصولكم إلى السلطة؟!
السؤال ـ في ذلك الوقت ـ كان افتراضيًا، لأن بمعايير اللحظة التاريخية، حينها كان من رابع المستحيلات التوقع بوصول الإخوان إلى السلطة.. ولو كان "العريان" قد تلقى دروسًا جيدة في التعاطي مع الإعلام وكمائنه الصحفية، لتجنب الإجابة عن هذا السؤال الافتراضي.
غير أنه أجاب على الفور وبلا تردد: بأن الإخوان ستحترم كل الاتفاقيات الدولية، وبما فيها اتفاقية "كامب ديفيد"!
الإجابة كانت منطقية، لأن السؤال افترض وجود الجماعة في الحكم، وبالتالي فإنها انتقلت من صفوف المعارضة إلى السلطة.. ومن الطبيعي أن تحترم الاتفاقية، لأنها ـ والحال كذلك ـ لم تعد مسئولة فقط عن جماعة أو تنظيم أو حزب.. وإنما مسئولة عن شعب بالكامل.. أي أن "العريان" تكلم بوصفه رجل دولة.. وليس ناشطًا سياسيًا.
بعدها بساعات قامت الدنيا ولم تقعد على الإخوان، واُتهمت بالتطبيع والتفريط والخيانة والاعتراف بالكيان الصهيوني.. وأُهدرت طاقة كبيرة من جهودها لإصلاح ما أفسده "العريان"، حين أجاب عن سؤال افتراضي.. وكان صيدًا سهلًا لكمين صحفي شديد الذكاء.
ويبدو لي أن الدعاة عمومًا.. ومشايخنا في الأزهر خاصةً، يحتاجون إلى تدريب على التعاطي مع الإعلام والصحافة والكاميرا.. ويتلقون دروسًا في التفريق بين الأسئلة الافتراضية التي قد تورطهم في إجابات، قد يترتب عليها أذى كبير، سواء للإسلام أو للمؤسسة الدينية التي ينتمون لها.. يحتاجون إلى تدريب.. وليس إلى تأديب أمام سلطات تحقيق متوترة وفظة وتفصل في أزمتهم، تحت تأثير الغضب والعصبية.