عباس الطرابيلى
«الجيتو اليهودى.. والكومباوند» هل هناك فرق؟
دائما ما تفكر الأقليات فى أن تحمى نفسها.. فى السكن، وأيضا فى مناطق العمل.. وربما تكون فكرة الجيتو اليهودى هى خير مثال طلباً للأمن والأمان.. أى كان اليهود- فى كل مدن العالم- يعمدون إلى السكن بجوار بعضهم البعض.. فالتجمع هنا يعطى قوة.. ولو نفسية فى أقل الأحيان.. وكذلك محال النشاط.. وإذا كان اليهود المصريون التزموا بنفس هذا المبدأ فأقاموا مساكنهم بجوار بعضهم فى القاهرة، وربما حارة اليهود هى المثال الأبرز، حيث الأزقة ضيقة، والحوارى لا تسمح بأى عدوان، ويسهل الدفاع عنها.. فإننا نجد نفس الشىء فى الأنشطة التجارية التى كان يزاولها اليهود سواء عملوا فى تجارة الأقمشة والمانيفاتورة فتجمعوا فى منطقة الحمزاوى والموسكى، والسكة الجديدة.. أو عملوا فى العطارة أو إصلاح الساعات.
<< ومن نفس المنطق نجد الآن الباحثين عن «الأمن والأمان» من غير اليهود!! وبالذات فى السنوات الأخيرة.. إذ بهم يفضلون السكن داخل «الجيتو العصرى» أى الكومباوند حيث يتوفر الأمان والأسوار والحصون.. وشركات الأمن الخاصة التابعة للشركة منظمة الكومباوند أو من غيرهم.
والكومباوند هنا نوعان. الأول على حواف المدن الكبرى، كما هو مثلاً فى التجمع الخامس أو 6 أكتوبر.. ولكن الثانى ينطلق إلى خارج المدن الكبرى.. وبالذات نجدها الآن على محاور الطرق الخارجية الرئيسية.. السويس الصحراوى. الإسماعيلية الصحراوى. والاسكندرية الصحراوى حيث تتوفر الفيلات والقصور بحدائقها وحمامات السباحة.. أو العمارات والشقق السكنية للفئات الأقل قدرة مالية، ولكنها أيضا تبحث عن الحماية والأمن.. ولو من وراء الأسوار!!
<< وهناك من توغل أكثر.. أى ابتعد أكثر بمسافات تزيد على 50 كيلومترا حتى عن المدن الكبرى الشهيرة.. ويتحمل صاحبها الذهاب والعودة إلى محل العمل، وساعدهم فى ذلك تطوير وتحديث تلك الطرق الصحراوية الخارجية. بل صار الذهاب إليها أسرع من الوصول إلى وسط القاهرة مثلاً بسبب اختناقات المرور وربما ساعد على ذلك سهولة اتمام الأعمال من خلال التطور الحديث فى وسائل الاتصال والإدارة وإدارة الأعمال.. بل ساعد عليها أيضا نظام الديلفرى، فى كل الخدمات.. ومن يحتاج قادر على التكاليف.
<< وإذا كان الجيتو اليهودى- وهو للفقراء- طلبًا للأمن الجماعى أى الاحتماء بالجماعة فإن الثانية «أى الكومباوند» أصبحت هروبًا من متاعب الفقراء، ولكن النتيجة واحدة.. هى «الانعزال» عن الأكثرية.. عن العامة.. وهذه كما أدت فى النهاية إلى انعزال الطائفة اليهودية عن المجموع السكنى الشعبى.. سوف تؤدى الثانية «أى الكومباوند» إلى عزلة طائفية عن باقى فئات المجتمع.. حتى إن كان الكل من شعب واحد.
وإذا كان أثرياء زمان إما فضلوا السكن حول أو بالقرب من الحاكم ومقره.. أو أقاموا أحياءهم الخاصة مثل الزمالك وجاردن سيتى والمهندسين ثم التجمع الخامس وغيره.. فإن الكل الآن يهرب من مناطق السلطة والحكم.. عكس الماضى أيام الملكية منذ نزل الخديو إسماعيل من القلعة إلى عابدين.
<< وربما كان ذلك بسبب ما عاناه سكان المناطق الملاصقة للسلطة والسلطان، وما أحداث لاظوأوغلى أو محمد محمود، أو مجلس الوزراء، وقصر العينى، واضطرار السلطة إلى إغلاق هذه المناطق، ما هذه إلا نموذج لما نقول.
ترى ممن يحتمى سكان الكامباوندات الآن. وهل ذلك بسبب انشغال الداخلية بالأمن السياسى أكثر من الجنائى.. على كل حال.. أخشى من ذلك أن يصاب المجتمع المصرى بداء التفتت الطبقى.. وما أدراكم ما هو هذا التفتت أو التفكك!!