عبد القادر شهيب
شيء من الامل - إدارة بالترباس
منذ عدة سنوات خلت كان هناك رئيس مؤسسة أراد ان يتحكم في دخول مكتبه ليسمح بنفسه لمن يدخلون اليه ويمنع من لا يرغب في ان يلقاهم، لذلك زود باب غرفة مكتبه بترباس كهربائي لا يفتح الا اذا ضغط بإصبعه علي زرار داخل الغرفة، وكان ذلك مثار تندر العديد من العاملين في المؤسسة، الذين قالوا إن رئيسها هذا ابتكر اسلوبا جديدا في الادارة يختلف عن أسلوب الإدارة المعروف باسم الإدارة بالاهداف، وأطلقوا علي هذا الابتكار اسم الادارة بالترباس.
واخشي ان هذا الأسلوب في الادارة الذي ابتكره صاحبنا هذا قد انتقلت عدواه إلي مؤسسات وشركات وكيانات إدارية واقتصادية اخري، وهو أسلوب لا يهتم بجوهر الإدارة الرشيدة التي تتسم بالكفاءة، وتعني بما هو اساسي اي النهوض بهذه المؤسسات والكيانات والشركات، وانما تهتم فقط بالأمور الشكلية والفرعية وايضاً الخاصة.. انه أسلوب يمنح جل اهتمامه بمن يعتلي سلم الادارة او يحظي بسلطة اتخاذ القرارات، راحته ومصلحته، بينما تتراجع خلاله مصلحة المؤسسات والشركات والكيانات التي يديرونها، وبالتالي يتراجع خلاله الاهتمام بمصالح العاملين فيها.
ويمكننا رصد عشرات الأمثلة في هذا الصدد تبدأ باهتمام المسئول الجديد بتجديد مكتبه وتوسعته وتغيير أثاثه وأدواته، او البحث عن مكتب جديد له، وَيَاحبذا لو كان قريبا من منزله، ناهيك عن عدد وماركات السيارات التي يستخدمها في تنقلاته هو وأفراد أسرته، ولو انتهت هذه الامثلة يسعي المسئول الجديد بالبحث عن المكاسب المالية والعينية، المنظورة وغير المنظورة، بينما يأتي تطوير اداء المؤسسة والنهوض بها في ذيل اهتمامات هؤلاء المسئولين في الشركات والهيئات والمؤسسات التي يتولون مسئوليتها، بل بعض هؤلاء يشغلون أنفسهم بأعمال ليست من صميم مهامهم واختصاصاتهم، فقط لانها في تقديرهم تجلب لهم رضا من عينوهم في مناصبهم.
وللاسف أسلوب الادارة بالترباس لا يقتصر علي المؤسسات الاقتصادية او الكيانات الخدمية فقط، وانما انتقلت عدواه إلي الكيانات السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني ايضا، ولذلك نري رؤساء احزاب ضمرت وصارت ضعيفة وهزيلة جدا ولم يعد لها دور او تأثير، يتمسكون برئاستها ويسارعون من اجل ذلك، ونري ايضا رؤساء جمعيات اهلية يقاتلون من اجل الاحتفاظ بمناصبهم ولا يكترثون بما اصاب هذه الجمعيات من ضعف، ولعل ذلك هو احد أسباب تراجع العمل الحزبي والعمل الأهلي، مثلما هو احد أسباب تراجع شركات مؤسسات عامة وخاصة ايضا، فالقطاع الخاص لم يبرأ من عدوي هذا الأسلوب الضار في الادارة مثل القطاع العام والحكومي.
ولكي نحقق نقلة مجتمعين، اقتصادية وغير اقتصادية، نحتاج لنبذ هذا الأسلوب الضار في الادارة، نحن نحتاج لأسلوب مختلف تماما، ولعل الأسلوب الأمثل لنا هو ذات الأسلوب الذي اتبعه الفريق الشاذلي في إعداد جنودنا لعبور قناة السويس، استعدادا لحرب أكتوبر المجيدة، حينما حدد لكل جندي من طليعة العابرين مهامه اثناء العبور وموقعه وما يتعين ان يقوم به بدقة وأشرف بنفسه علي تدريبهم علي ذلك عدة مرات حتي صاروا يجيدونه، ولذلك حققنا نجاحا باهرا في عبور اكبر مانع مائي في أكتوبر ٧٣ وحققنا نصر عزيزا.