الجمهورية
عبد العال الباقورى
"المصالحة" في مصر.. والمخاطرة في كردستان
قضيتان حظيتا بالاهتمام العربي في الأيام الأخيرة. الأولي هي إعلان حركة حماس ومن القاهرة موافقتها علي خطوات تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. وفي مقدمتها حل اللجنة الإدارية التي تحكم غزة. ودعوة حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي حمد الله لبدء عملها في القطاع وربما يكون هذا قد تم أو أصبح وشيكاً إلا إذا حدثت مفاجآت في اللحظات الأخيرة أما الثانية فهي اقتراب الموعد الذي حددته قيادة إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء علي تقرير المصير بعد أيام. في يوم الاثنين المقبل 25 سبتمبر الحالي وهو استفتاء أثارت الدعوة إليه ردود فعل واسعة عراقياً وإقليمياً ودولياً. وأصبح الأمر يتأرجح خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة بين الانفجار والتهدئة. ولا يزال التراجع وارداً من جانب قيادة كردستان العراق ولو في اللحظات الأخيرة إما بتأجيل موعد الاستفتاء إلي أجل بعيد أو تجميده طويلاً أو بإلغائه. وكل هذا يتوقف علي نتائج الوساطات والمساومات والضغوط التي تجري علي مستويات عديدة. ومن قوي كثيرة ومن بينها بالطبع "الأصابع" الإسرائيلية في القضيتين وليس في واحدة منهما فقط.دور إسرائيل ضد المصالحة الفلسطينية لا يحتاج إلي تفصيل أو شروح. فقد سارعت إلي وصف خطوات حماس بأنها "حجر مناورة" لتشديد الحصار علي الرئيس محمود عباس أبومازن ووصف كاتب إسرائيلي عرض حماس بأنه "مجرد خدعة" تهدف إلي إلقاء اللوم علي عباس عندما تفشل محادثات المصالحة!! ومثل هذا الأمر أو القول ليس مستبعداً من جانب إسرائيل أما في كردستان فقد ظهر العلم الإسرائيلي إلي جانب علم الإقليم في مظاهرات تأييد إجراء استفتاء في موعده وهذا أمر يحمل دلالات عديدة علي رأسها عمق العلاقات بين إسرائيل والأكراد عامة وليس أكراد العراق فقط.
علاقات لها تاريخ
إن إلقاء الضوء علي العلاقات الإسرائيلية- الكردية يعود بنا إلي الفكرة الصهيونية ونظرتها التي ورثتها إسرائيل إلي دول المنطقة العربية واعتبارها دول أقليات عرقية ودينية. وسعيها منذ وقت مبكر إلي الالتفاف علي هذه الأقليات أو بعضها ومحاولة اختراقها وإقامة علاقات معها وبعد أن تحولت الصهيونية من فكرة إلي دولة. وتم إنشاء إسرائيل بالغصب والعدوان سعت إلي المسير علي الميراث الصهيوني وحرص ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل إلي الاتصال بهذه الأقليات الطائفية والعرقية والدينية فيما سماه "حلف المهمشين" وعلي رأسهم الأكراد في العراق وإيران وسوريا وتركيا. وبناء علي تاريخ طويل من العلاقات العلنية والسرية مع أكراد العراق وتوسيع هذه العلاقات منذ غزو أمريكا واحتلال العراق في 2003 بشكل خاص. فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي سارعت علي لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلي إعلان تأييده لاستقلال كردستان وإذا كان هذا الإعلان الأول من نوعه حالياً. فإن نتنياهو نفسه أعلن هذا في عام 2014 وكرره منذ ذلك الحين سياسيون وقادة إسرائيليون عديدون واعتبروا هذا الاستقلال مصلحة إسرائيلية وقالوا إن الدولة المستقلة في كردستان العراق خطوة نحو ضم واستقلال أجزاء كردستان الأخري وهناك دول أخري لا تعارض إجراء استفتاء كردستان إلا بصفة مؤقتة لأنها تعتبر الظروف الحالية غير مناسبة لمثل هذه الخطوة التي ستؤثر علي أعمال مقاومة الحرب ضد داعش في العراق وسوريا.
وعلي رأس هذه الدول الولايات المتحدة التي دعت علي لسان نائب رئيسها الأسبق وبعد وقت قصير من غزو العراق إلي تقسيمه إلي ثلاثة كيانات شيعية وسنية وكردية.
ونعود إلي العلاقات الكردية- الإسرائيلية لنشير إلي ما كشفته الصحفية الإسرائيلية "سميدار بيري" في 10 سبتمبر الحالي في "يديعوت احرونوت" من ان مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان العراق وزعيم الدعوة إلي الاستفتاء وما هو أكثر قد قام بزيارة قصيرة إلي دار الحكومة في تل أبيب لجس النبض ولعله حين وصل إلي مكتب رئيس الوزراء في القدس المحتلة ليسمع ما لدي إسرائيل من مقترحات وكيف يرون عندنا "أي في إسرائيل" إقامة الدولة الكردية المستقلة ويمكن التخمين بأن برزاني سمع صوتين إسرائيليين الأول حذره من المخاطرة الكبري التي يأخذها علي نفسه والثاني أوصي بالذات "سر في هذا" وأعلم ان إسرائيل ستواصل الوقوف خلفك. تري أي الافتراضين سيأخذ به البرزاني وكيف سيستطيع ان يتغلب علي الصراعات الكردية الداخلية ويتخطي المعارضة الإقليمية خاصة من إيران وتركيا؟
لا بديل عن دور مصر
بعد خطوة حركة حماس من القاهرة والترحيب الذي تلقاه من القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية المختلفة فإن من المنتظر والمأمول أن تكمل مصر رسالتها وتواصل دورها إلي أن تتحقق المصالحة الوطنية الفلسطينية كاملة بعد ان تعود الحكومة لتولي مسئولياتها يجب أن يفتح الطريق لحوار وطني جاد. يضع آليات لتفعيل اتفاقات موقعة من قبل وهنا في القاهرة اتفاق 5 مايو 2011 الذي أجمعت عليه كافة الفصائل وصولاً من هذا كله إلي حكومة وحدة وطنية تتولي التحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية مع علاج جميع نتائج سنوات الانقسام البغيض والعبثي الذي كلف الحركة الوطنية الفلسطينية ما كان لها أن تتحملها.
ومنذ وقع الشقاق بين فتح وحماس كانت مصر أحرص الدول علي رأب الصدع واستعادة الوحدة ولم تنحرف عن هذا إلا لفترة قصيرة ومعروفة بخطاياها وأخطائها.. ومنذ ثورة 30 يونيو أفاقت مصر علي مسئولياتها العربية وعملت لاستعادة دورها عربياً وفلسطينياً ولكن البعض رفض إلا تخريب دور مصر وتعطيله ولم ينجح هذا في تحقيق خطوة ولو صغيرة إلي الأمام وبرز هنا بشكل خاص دور تركيا وقطر وفي الشهر الماضي قام الرئيس الفلسطيني بزيارة أنقرة وعقدت آمال كبيرة علي هذه الزيارة ولكنها لم تسفر عن شيء ملموس. وعنذئذ راح كتاب ومحللون فلسطينيون ينبهون إلي حقيقة أن المفتاح الصحيح للمصالحة لا تملكه إلا القاهرة وعنذئذ كتب المعلق الفلسطيني عوكل في جريدة الأيام في 31 أغسطس الماضي بعنوان "ليست آخر الأحزان!" أشار فيه إلي ما حدث وقال نصاً: "تعرف تركيا كما تعرف القيادة الفلسطينية طبيعة المشكلات التي تحول دون تحقيق المصالحة والضمانات المطلوبة والجهة التي تملك القدرة علي الحسم ولذلك ما كان لتركيا ان تتعهد بالتزامات لا قبل لها علي تنفيذها ولكن جهة الحسم في مكان آخر ليس سوي القاهرة. من يستطيع تحمل أعباء هذا الملف سواء من حيث القدرة علي التأثير أو من حيث التعهد بضمان التنفيذ.. الكل يدرك هذه الحقيقة ما يعني ان الذهاب شرقاً وغرباً لا يفيد في تحريك ملف المصالحة بل ربما يزيد الأمر تعقيداً".. وقال عوكل: إن حماس تدرك هذه المسألة.
لذلك كان طبيعياً ان يلقي دور مصر فيما تحقق فلسطينياً الترحيب والتقدير من جميع الأطراف الفلسطينية ومن أمثلة ذلك قول وفد حماس الذي زار القاهرة وأجري محادثات مع دبلوماسيين أمنيين أدت إلي الموافقة علي خطوات لتحقيق المصالحة. إنه يعبر عن عظيم شكر وتقدير الشعب الفلسطيني للجهد المصري للتخفيف من آلام الشعب الفلسطيني ومعاناته وأكد دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية وإذا كان قيس عبدالكريم "أبوليلي" نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية قد وصف الدور المصري في رعاية المصالحة بأنه دور لا بديل له فإن الجبهة أكدت في بيان أصدرته إشادتها بدور مصر في فتح الطريق للمصالحة الوطنية وهناك سيل من التصريحات الفلسطينية التي تشيد وترحب بدور مصر وشاركت في ذلك دول عربية وقوي سياسية عربية وبقي ان تتواصل الخطي وان يستعيد شعب فلسطين وحدته الوطنية التي هي طريقه إلي النصر.. واسلمي يا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف