على هاشم
ماذا سيفعل البرلمان في دور الانعقاد الجديد؟!
هل فكر البرلمان ولجانه المختلفة وهيئة مكتبه الموقرة في قياس مدي رضا المواطن عن أدائه .. هل فكر في عمل استطلاع رأي جماهيري يرصد بدقة ما نجح في تحقيقه وما أخفق فيه أم اكتفي بكونه البرلمان المنتخب المعبر عن إرادة 30 يونيو؟!
أظن أن البرلمان في موقف لا يُحسد عليه . ودليلي علي ذلك تلك الانتقادات التي تعرض لها منذ انتخابه ولا تزال تتعقبه وهو علي أبواب دور الانعقاد الثالث والسبب ببساطة هو الفارق الهائل بين طموحات الناس التي تفوق بكثير قدرة أي برلمان وأي حكومة وما تحقق علي أرض الواقع من إنجازات قد لا يشعر بها كثير من الناس بصرف النظر عن ضخامة ما أنجز أو جسامة ما يواجه الدولة من تحديات ومخاطر .
البرلمان هو محصلة الاختيار الحر للشعب وهو نتاج الممارسة الديمقراطية النزيهة . وهو إفراز طبيعي لما بعد ثورتين كبريين أحدثتا تغيرات عميقة في مجريات الأمور وفي بنية المجتمع وقيمه وأخلاقياته وسلوكياته . وهي تغيرات ليست بالضرورة إيجابية في مجملها بل ربما كانت أقرب إلي السلبية والتراجع الواضح في الأخلاق والقيم .
البرلمان في كل دول العالم هو قائد حركة التغيير الرقيب علي الحكومات . الحافظ لحقوق الشعب ومصالحه . المعبر عن آماله ونبضه . ويفترض أن يكون رافعة أي تحول ديمقراطي وأي تطور سياسي.. فما بالك وقد علق عليه المصريون آمالا عريضة في استكمال مهمات شاقة وترجمة دستور طويل إلي قوانين وتشريعات تستوعب حاجة المجتمع ومقتضيات العبور نحو المستقبل وتعالج اختلالات اقتصادية طال أمدها حتي أعاقت حركة الحياة وأصابتها بالشلل فانفجرت الأزمات الواحدة تلو الأخري حتي وجدنا أنفسنا في مواجهة موجات غير مسبوقة من التضخم وغلاء الأسعار وتراجع القيمة الشرائية لدخول المواطنين . ناهيك عن الآثار السلبية علي التعليم والصحة وسائر الخدمات.
مهمة البرلمان الحالي أكثر من صعبة نظر لهشاشة الأحزاب والمعارضة وانعدام الكفاءة السياسية لكوادرها وغياب البدائل والحلول للقضايا الجماهيرية وانفصالها عن الشارع و عن قضاياه وهمومه . وهي الآفات التي دأبت تلك الأحزاب علي تبريرها منذ أيام مبارك بوجود تضييق سياسي عليها. وهي حجج واهية يدحضها الصعود السياسي الكبير لأحزاب ولد بعضها من رحم ثورة يناير ونجح في حصد عدد لا بأس به من مقاعد البرلمان علي خلفيات سياسية متباينة من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار . متفوقة علي عشرات من الأحزاب الكارتونية التي لا تعدو أن تكون مجرد لافتة ومقر وفي أفضل الأحوال صحيفة ناطقة باسم الحزب العتيق!
غياب المعارضة والأحزاب لا يحتاج إلي دليل . فلا هي أحدثت حراكًا سياسياً في مشهد قاب قوسين أو أدني من الانتخابات الرئاسية ولا هي أفرزت أسماء ذات وزن سياسي يمكنها المنافسة في تلك الانتخابات المهمة المرتقبة وفي غيرها من الانتخابات المحلية أو النيابية الوشيكة .. ومن ثم يبدو طبيعياً في سياق كهذا أن تتجه الأنظار صوب هذا البرلمان لكي يعوض غياب الأحزاب وضعف المعارضة . ويرسم بأدائه كافة ألوان الطيف السياسي ويعبر عن مصالح المجتمع بشتي فئاته .. وقد يبدي البعض تحفظات أو انتقادات لاذعة لأداء وممارسات بعض النواب . ولاسيما بعد ظهور ما أطلق عليه نواب التأشيرات وهو مسلك معيب ينبغي أن يقابل بعقاب شديد لمن يثبت تورطه من النواب في بيع تأشيرات الحج لهذا العام حتي لو اقتضي ذلك إسقاط عضويته. وكفانا ما عانيناه من بعض البرلمانات السابقة وما جرته أفعالهم الشائنة من أضرار فادحة بسمعة البرلمان الذي ينبغي أن يكون رقيبًا ومحاسبًا للحكومة وضابطًا لحركة أدائها وملبيًا لطموحات الجماهير واحتياجاتها وليس متورطًا فيما هو شائن أو مخيب لآمال الناس .
مهمة البرلمان في دور انعقاده الجديد أكثر صعوبة مما مضي. فعليه أولاً تصحيح الصورة المغلوطة التي روجها البعض عنه حتي يستعيد المصداقية وثقة الناس فيه . وأن يرقي إلي مستوي جهد الرئيس ورؤيته وتطلعاته لوطن يرجو أن يشار إليه بالبنان كمقياس لمستوي راقِ في التعليم والصحة وتنمية البشر وتدريبهم والوصول بهم إلي مستوي متقدم في الأداء يؤهلهم للمنافسة في سوق العمل وتحقيق قيمة اقتصادية مضافة تضاهي ما يحققه أقرانهم في سنغافورة أو حتي كوريا الجنوبية .
البرلمان مطالب بالانفتاح علي برلمانات العالم وخصوصًا الكونجرس الأمريكي الذي يضمر بعض أعضائه مشاعر سلبية تجاه مصر وكانوا وراء تخفيض المساعدات الأمريكية المخصصة للقاهرة بدعاوي ومزاعم كاذبة روجتها منظمات حقوقية علي رأسها ¢ هيومان رايتس ووتش ¢ وهي التي يمكنها أن تتحطم علي صخرة البرلمان المنتخب إذا أحسنت لجانه ولاسيما لجنة حقوق الإنسان الرد وتفنيد ودحض الأباطيل المفتراة علي مصر وحكومتها.
أمام البرلمان ملفات كبيرة مهمة وعاجلة . فثمة ملف الأسعار الجامحة والمشروعات القومية الكبري ومعوقات الاستثمار وارتفاع معدلات التضخم والأمية والديون. وكذلك تمكين الشباب وعلاج الإدمان وسرعة الانتهاء من تعديلات قانون الإجراءات الجنائية لتوفير بيئة خصية للعدالة الناجزة المنصفة . ومواجهة الإرهاب فكرًا وعقلاً وليس الاكتفاء بمحاربة الإرهابيين . ومواجهة الفساد والبيروقراطية والارتقاء بمنظومة التعليم والبحث العلمي وتدريب الكوادر والقيادات الشابة والدفع بهم إلي مراكز القيادة في شتي القطاعات والارتقاء بالصحة وإنجاز مشروع قانون التأمين الصحي الذي طال انتظاره منذ سنوات حتي تتحقق العدالة الصحية ويجد الفقير علاجه تمامًا كالأغنياء . والانفتاح علي الثقافات الأخري وتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر ومكافحة التطرف بتكريس قيم الحوار والتفاهم والتعايش المشترك علي أرضية المواطنة.
لا شك أن كلمة السر في أي نجاح تكمن في احترام القانون وتطبيقه علي الجميع دون استثناء.. ولنا في كرة القدم نموذج عملي علي احترام القانون » فالتنافس يجري وفق قواعد شفافة ملزمة للجميع . ورغم ما قد يقع من قصور في أداء اللاعبين أو التحكيم لكنه يبقي الاستثناء . أما القاعدة فهي الالتزام الصارم بقواعد اللعبة علي مرأي ومسمع من الجميع . الأمر الذي يجعل كرة القدم صانعًا للسعادة وللعدالة أيضًا . وقبلة للاستثمار تجذب مليارات الدولارات . وتتسابق الدولة كبيرها وصغيرها لاستضافة بطولات كأس العالم في اللعبات كافة » الأمر الذي يجعلنا نتساءل: متي تمضي حياتنا كلها بمثل هذا الانضباط والشفافية والسلامة .. لماذا لا تطبق حكومتنا القانون علي الجميع . ولماذا لا يبادر المواطن باحترام هذا القانون .. ولماذا لا يطبق مجلس الأمن الدولي قانونه علي الدول كلها » فلا يستأسد علي دولة ضعيفة . ثم ينافق الدول الكبري.. لماذا تنعقد اجتماعات الأمم المتحدة تلك المنظمة الدولية الجامعة. وتنفض دون أن تقدم حلولاً جذرية عادلة لمشكلات العالم وقضايا شعوبه. وعلي رأسها قضية فلسطين . وقضايا المناخ والتنمية المستدامة والهجرة غير الشرعية وتجارة البشر وتعويض الدول التي جري احتلالها وزرع الألغام في أراضيها.. لماذا صارت اجتماعات الأمم المتحدة مكلمة وشعارات لا تري النور ولا تتحقق في أرض الواقع.
مشكلة العالم كله تكمن في تغييب قانون العدالة . ومشكلتنا أننا أعطينا القانون إجازة وخلقنا الاستثناء ثم رضينا به قاعدة يتسلل منها الانتهازيون لسلب حقوق الناس والمجتمع وتكريس الفوضي القانونية والفساد المقنن الذي لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوذ والمنعة بينما يقع الفقراء ضحايا هذه اللعبة .
لقد كان شعار العدالة ولا يزال امرأة معصوبة العينين في دلالة لا تخفي علي عدم التمييز أو التفريق بين المتقاضين عند تطبيق القانون . وهو ما صار فريضة غائبة تتجرع البشرية كلها مرارة غيابها.. فأين العدالة في توزيع الثروات وعوائد التنمية بين الدول والشعوب .. أين عدالة التوظيف .. ؟
ما نراه اليوم من توحش قانون القوة هو نتاج طبيعي لغياب ¢ قوة القانون ¢ حتي وجدنا أنفسنا في مجتمع تسيطر عليه شريعة الغاب بعد أن فقد القانون احترامه ومصداقيته. وانسحب من حياتنا وحلت مكانه ً ثقافة النهب والبلطجة والتكويش وإقصاء الآخر والامتيازات الفئوية التي رفعت بعض الفئات علي بعض دون احتكام إلي معايير الكفاءة والاستحقاق . وهي امتيازات صارت وسيلة للتقسيم المجتمعي والتمييز بين أبناء الوطن الواحد» وهو ما كرس الشعور بالغبن والظلم لدي المحرومين. وتزداد المأساة عمقًا كلما ازدادت مزايا فئات بعينها حصلت لنفسها علي مكاسب ضخمة وقروض وأراضي ووظائف صارت حكرًا علي طائفة دون أخري دون أحقية ولا أهلية. وللأسف تحولت تلك الامتيازات بمرور الزمن إلي حصانات يتمترس خلفها أصحابها حتي صاروا فوق القانون فارتكبوا جرائم دون حساب. ناهيك عن إهدار مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
صحيح أن الدولة بقيادة الرئيس السيسي فتحت ملف الإصلاح التشريعي بقوة. وتشكلت لهذا الغرض لجان نرجو أن تتسارع جهودها لإنجاز هذه المهمة الضخمة وتخليصنا من غابة التشريعات المتضاربة الموروثة من عقود طويلة . كما قرر الرئيس استعادة الأراضي المنهوبة من الدولة . ومنع الاعتداء عليها حاضرًا ومستقبلاً والحفاظ علي الرقعة الزراعية من التآكل لضمان حقوق الأجيال القادمة في الحياة وهي خطوات مهمة لاستعادة هيبة القانون وروح العدالة الغائبة التي هي بوابة العبور إلي مجتمع قوي متماسك يشعر أفراده بالأمن والأمل في حياة أفضل محمية بقوة القانون وسياج العدالة .. فهل يقدر البرلمان علي تحقيق هذا الأمل وهل يمكنه ترجمة مبادئ الدستور إلي قوانين تواكب حركة الحياة وتستوعب حركة المجتمع واحتياجاته.
تطبيق القانون علي الجميع هو الحل الوحيد لمشاكلنا . وأداة لا غني عنها في سبيل التغيير الحقيقي لإصلاح ما أفسده البعض وترسيخ دولة القانون وضبط الشارع والأسعار ومنع جرائم الغش والاحتكار والمغالاة وتمهيد الطريق أمام
تطبيق القانون علي الجميع هو الحل الوحيد لمشاكلنا . وأداة لا غني عنها في سبيل التغيير الحقيقي لإصلاح ما أفسده البعض وترسيخ دولة القانون وضبط الشارع والأسعار ومنع جرائم الغش والاحتكار والمغالاة وتمهيد الطريق أمام إصلاح التعليم والصحة والخدمات وتنمية البشر وتجفيف منابع الإرهاب والفساد وامتصاص البطالة واستيعاب الزيادة السكانية الهائلة .. الأمل في صحوة تشريعية يقودها البرلمان وتدعمها الإرادة الشعبية بعد أن توفرت لها الإرادة السياسية .. ويبقي أن يترجمها البرلمان إلي واقع يشعر به المواطن.