أفكار تحالف فيها الجهل والحماقة والبؤس والغباء الإنسانى وعدم الإدراك والشذوذ وانتحار المنطق فى تثبيتها وبثها والمجاهرة بالفتوى فيها بلا خجل ومع سبق الإصرار والإثم، وكأننا لا ننتج إلا ما نحتاجه، وكأن ما نحتاجه هو الفتاوى المثقلة بالغرائز والعبث، وكأننا نعيش فى عالم انفصل عن التحضر والإنسانية والعلم وكل ما يهمنا مضاجعة الوداع وكونها حلالاً، وكأننا نريد التيقن من مضاجعة البهائم هل هى حلال أم حرام.
ويبدو أن البعض منا انتزع الله عقله ووضع بدلاً منه عقول البهائم، وعلى أصحاب العقول الطبيعية أن يغادروا أو يرحلوا، فهذا زمن البلهاء الذين يطلقون الرصاص فى صورة فتاوى، والمؤسف أنهم يحملون صفة رجال الدين، بينما ما يحملونه هو الضعف والجهل المبين.
فتاوى شاذة جامحة تخدش الفطرة النقية السليمة والسوية وتمعن فى الخصومة مع الإنسانية وتتأرجح بين الضلال والضلال، وضلال الجهل كضلال الكفر فى مناخ يفتح علينا نيران جحيم الجهل ويهمش الأحداث المهمة ويحتفى بالتوافه، وكلما كانت الأشياء بلهاء ومريضة ومبكية جذبتنا لنستهلك فيها أعصابنا ونهدر الأيام والطاقات، وكأننا مجتمع يفتح أقواسه وشهيته لتوافه ومفاسد الحياة.
وإمعاناً فى تضخيم الخسارات والتشوهات، وفى ظل فوضى الجهل يبدو أننا على شوق ننتظر كل صباح كرة النار التى يقذف بها دائماً مخبول فنجرى ووننجرّ جميعاً إليها، وتشتعل الحرائق والجدل، ونهدر الوقت والجهد، ثم تخبو نيرانها لأن كرة أخرى انطلقت بنيران جديدة فنتسابق لنعدو إليها، وهكذا ندخل دوامة ألعاب نارية لا تنتهى وترتدى ثياب الدين.
وفى مأساة مضاجعة الوداع نجد كل الجهات المسئولة تنتفض وتجتمع وتشجب، وتعقد اللجنة الدينية فى مجلس الشعب اجتماعاً يحضر فيه جميع الأطراف، وكأن الفتاوى الشاذة أصبحت هى الشغل الشاغل لنا، هى ومن يطرحها ومن يفتى فيها ومن ينجذب إليها أو ليس لديه أهلية فيما يتحدث وفيما لا يتحدث، وهل من الطبيعى أن نجاهر بغرائب وجنون الأفكار، أوليس من المفترض أن المسئولين لديهم خطط تنمية وإصلاح وتغيير هى أثمن من ضياع الوقت والجهد فى الرد على شذوذ فكرى وضلال عقلى مركب، ولماذا نترك هذا المناخ الذى تنمو فيها المتاريس العقلية وعتمة الجاهلية؟!
منذ سنوات طويلة انطلقت تجليات شاذة، وكانت فتاوى إرضاع الكبير التى أحدثت الجدل وأكدت وأعلنت مدى الانحدار والانحطاط والجهل الذى أصبحنا فيه. والمؤسف أنه تم تجديدها مؤخراً، وكأننا مجتمع فقد عقله بإرادته، ولو أن هناك عدواً خارجياً يخطط بكل ذكاء ومهارة لإرباك هذا المجتمع وإغراقه فى أدنى مستوى من التفاهات والسطحية والغيبوبة لما استطاع أن يفعل ما نفعله بأنفسنا.
نحن نبدع فى الهدم أكثر مما يبدع الأعداء بنا، نحن نمتلك ذخيرة أذى وفناء لأنفسنا أكثر مما يمتلك من لا يريدون لنا الحياة، ونحن فى حالة غرام وإدمان واستغراق فى كل ما هو تافه وشاذ.
نحن فى ارتباك، ونعانى أزمة فقدان الثقة وغياب اليقين وحالة من الجهل العنيف، لقد أدخلنا الدين فى كل شىء فتجاوز الموضوع التفاهات ووصلنا إلى الشذوذ الفكرى والغرق فى جحيمه.
خطاب الدولة لا بد أن يعيد الدين إلى المنطقة الأخلاقية المتعلقة بالمعاملة وحسن العبادة ورقى السلوك والنوايا الطيبة والترفع عن استخدام الدين فى الحياة اليومية وفى القرارات الحياتية وفى الألعاب السياسية أياً كان الطرف الذى يستخدمها وأياً كانت النوايا والأهداف، فالمؤكد أن بعض الآراء التى تقال على المنابر من بعض القادة المنتمين إلى المؤسسات الدينية الأفضل أن لا تقال.
لابد أن تعلن الدولة بوضوح دون التباس ودون مواربة أنها دولة مدنية وتؤكد أفعالها أقوالها وتبتعد عن منصة الدين وتدرك أنها إذا ارتضت بالحشد والتعبئة من هذه المنصة فى اتجاه سليم فإن السلاح نفسه سوف يُستخدم ضدها.
كل شواهد وحوادث التاريخ تؤكد أن اللعب بورقة الدين يأتى بنتائج عكسية، فالدين مقدس لا بد أن يبقى بعيداً عن أحوال وأوحال السياسة.
ليس هناك ما هو أتعس أو أشد مأساوية من مجتمع يتخبط من العجز، ضائع فى متاهة اللايقين، غارق فى فكر الخرافة، فاقد الثقة ويوئد التنوير ويعانى من إفلاس علمى ويرتضى بالبلاهة والتخبط وينحاز لظلمة الجهل وهو يعتقد أنها النور والمرفأ والسفينة.