الدستور
صفوت البياض
العاصفة إرما وإدارة الأزمة
لاشك أن العالم كله كان متابعًا للهجمة العاتية للعاصفة المدعوة إرما، وكيف أديرت الأزمة، فالعاصفة وصفت بأنها من أعتى العواصف، التى شهدتها الولايات المتحدة فى قوتها وشراستها وطول مدتها، فكان جميع المقيمين فى المنطقة ــ وهى جزء محدود من ولاية فلوريدا ــ فى دائرة الهجوم، وكان عليهم أن يخلوا بيوتهم فى ساعة محددة، فالموعد كان محددًا وسرعة العاصفة كانت معروفة ومدة الضربة كانت محددة بدقة، ففى الساعة الثانية بعد منتصف مساء الأحد العاشر من شهر سبتمبر الجارى سوف تغادر العاصفة إرما المنطقة فى اتجاه خارج الولايات المتحدة.
وبلغ عدد الذين تَرَكُوا منازلهم ورحلوا بعيدًا عن مسار العاصفة ستة ملايين نسمة من الرجال والنساء والأطفال قبل هبوب العاصفة، التى كانت سرعتها أكثر من خمسة آلاف كيلو فى الساعة وتوقفت أعداد من الطائرات، التى كانت مساراتها فى مواجهة العاصفة، ومع ذلك فقد فضل راغبو السفر أن يبقوا داخل المطار حتى تمر العاصفة.
وفى الموعد المحدد، أى الساعة الثانية فجرًا، عبرت العاصفة وأحصى عدد الضحايا على طول خط مسارها باثنين وعشرين نسمة عبر الكاريبى وحتى خروجها من القارة الأمريكية، كما أعلنت السلطات فور عبور العاصفة الفحص الهندسى لجميع الكبارى وعددها اثنتان وأربعون قنطرة، أنها سليمة تمامًا ولا خطورة فى مسيرة وسائل النقل عليها، كما كان الحال قبل زيارة العاصفة، وأعلنت السلطات أنه مع ظهر يوم الثلاثاء قد تم إصلاح وإعادة الكهرباء إلى ٢.٣ مليون مسكن ومحل، وهى نسبة ٤٠ فى المائة مما أتلف بواسطة العاصفة، ويتبقى ٤.٧ مليون مشترك ليس لديهم كهرباء فى فلوريدا، ولكن ستعود الطاقة بعد ظهر الثلاثاء.
أما المناطق البعيدة، التى أصابها انقطاع التيار فبعضها سيعود فى السابع عشر والبعض الآخر سيعود فى الثانى والعشرين من الشهر نفسه. كما أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه سيتوجه إلى فلوريدا بعد ظهر يوم الخميس الرابع عشر من الشهر نفسه.
والسؤال: ما الهدف من نقل هذا الخبر بشىء من التفصيل؟، والإجابة الطبيعية هى دقة إدارة الأزمة، فالأخبار كانت معلنة قبل وصول العاصفة إرما بوقت كافٍ أكثر من يوم كامل، ما أعطى الفرصة لأصحاب المنازل وإدارة المحال والفنادق وكل ما يقع فى دائرة مسار العاصفة، فليس كل المدينة هجرت، فهناك من بقى واستضاف عددًا من العائلات المقيمة فى مسار إرما، ثم دبر الناس احتياجاتهم دون تزاحم أو تطاحن فقد كان الوقت كافيًا تمامًا لتدبير أمورهم.
أما عن مقدار التعاون، فلم نسمع عن استغلال المحال فى تغيير الأسعار للسلع، كما أن الوقت للشراء كان محددًا ولفترة قصيرة من الثلاثاء إلى الأحد بعد منتصف الليل.
ومع أن الطائرات توقفت، لكن المطارات لم تغلق فكانت ملاذًا لمن لا ملاذ له، حيث بقوا لبضعة أيام داخل المطار بإمكاناته لراحة الناس لحين نهاية الأزمة. طبعًا كان سلوك الشعب مشجعًا على إيوائهم.
أما ما قيل عن حالات الوفاة، فكانت بسبب الغرق أو فقدان السيطرة على السيارات، وكان قد حدث الإعلان عن سرعة الرياح التى ستؤدى حتمًا إلى فقد السيطرة على قيادة السيارات وحتمًا ستنتهى بكارثة الموت، وكانت الإعلانات متكررة محذرة ويبدو أن عددًا لم يمتثل للنداء، فكانت النتائج كارثية بالنسبة لهم.
إننى وبعد اطمئنانى على الأصدقاء وسلامتهم، تابعت الدقة فى كل خطوة من خطوات العمل من الإنذار والتحذير بقوة الإعصار وخطورته والتشديد على مناطق تقع فى خط مسار الإعصار بإخلائها، حتى رأينا الفنادق وكأنها أطلال بارتفاعاتها الشاهقة التى تتجاوز الخمسين طابقًا، وقد بدا عليها فيضان فى مداخلها، وقطعًا لم تتحمل الألواح الزجاجية قوة الإعصار.
قبل وصول الإعصار كانت أخبار حجم الخسائر المتوقعة معلنة، وبالتالى تدبير الإعمار وتكلفته بين الولاية والحكومة المركزية فى واشنطن، حتى يطمئن الجميع أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه وربما إلى الأفضل.
أما الاهتمام الأول والأهم فكان الإنسان، وقطعًا الكلاب والقطط والعصافير المنزلية، فلها مكانها وطرق نجاتها، فلم نسمع عن أسرة سافرت أو فى الأزمة هربت وتركت حيوانًا أو طائرًا دون رعاية، فهو جزء من الأسرة، وله مكانته كما لأولادهم. فإذا كان للحيوان والطائر هذا القدر من الاهتمام، فلماذا لا يجد بعض خليقة الله اهتمامًا أقرب إلى هذه الكائنات؟.. أما الإجابة فهى فى الثقافة والتربية والمشاعر الراقية، وانتهى الدرس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف