أحمد بهاء الدين شعبان
إلى أين تمضى «دولة الكورد» الجديدة؟!
ما لم تحدث مفاجأة كبرى، فإن المنطقة تنتظر بقلقٍ متزايد، يوم الإثنين، ٢٥ سبتمبر القادم، النتائج المؤكدة لعملية الاستفتاء الخاص باستقلال إقليم كردستان العراق الناجز عن الدولة، الذى أعلنت عنه قيادة الأكراد، أو «الكورد»، كما يحبون أن يُنطق اسمهم.
وكما هو معروف، فإن المنتمين إلى القومية الكردية، يتوزعون على مجموعة من الدول، أبرزها العراق، وتركيا، وإيران، وسوريا، وغيرها،
وكل هذه الدول التى تحيط بالمنطقة الكردية، إحاطة السوار بالمعصم، ترفض بشدة استقلال أكراد العراق وتكوين دولة منفصلة، لأن ذلك يهدد وحدة أراضيها والتماسك القومى لبلدانها.
وقد كان طبيعيًا أن ترفض دولة العراق هذا التوجه الانفصالى على لسان كبار مسئوليها، وفى مقدمتهم وزير خارجية العراق، «إبراهيم الجعفرى»، الذى دعا أكراد العراق إلى «إدراك العواقب والتداعيات التى ستنجم عن إعلان الاستقلال»، مُهددًا بأن «على زعماء أكراد العراق الاستعداد لمواجهة العواقب إذا أعلنوا الاستقلال من جانب واحد»، ويُبرز قادة العراق تعارض هذا السلوك مع دستور ٢٠٠٥ العراقى، الذى قبل الأكراد الالتزام ببنوده، وهى جميعها تُقر كون العراق دولة اتحادية واحدة، وتلزم السلطات الاتحادية بالحفاظ على وحدة أراضى العراق، وصون استقلاله.
كما حَذّرَ نائب رئيس الجمهورية، «نورى المالكى»، من «قيام إسرائيل ثانية فى شمال العراق»، ومن اللافت والمهم، فى هذا السياق، متابعة التجاوب الإسرائيلى مع هذا التوجه الكردستانى، الذى تمتد جذوره إلى عقود طويلة ماضية، وتم تأكيده مُجددًا، على لسان رئيس الوزراء الصهيونى، «بنيامين نتنياهو»، الذى أعلن أن «إسرائيل تؤيد جهود الشعب الكردى المشروعة لقيام دولته»، مُدَّعيًا أن الدافع لهذا الأمر هو أن هذه «الدولة المرتقبة» «تتشارك مع إسرائيل فى القيم ذاتها»!. وقد استغلت القيادة الكردية انشغال العراق ودول المنطقة، واستنزاف طاقتها، فى أتون الحرب ضد الإرهاب، ورأت فيه فرصتها التاريخية التى ربما لن تتكرر، لفرض الأمر الواقع على العراق والدول المحيطة، واعتبرت أن الوقت قد حان للاستفادة من دعاوى إعادة رسم خرائط المنطقة، لاقتناص حلم الدولة المستقلة، وجعله واقعًا ملموسًا، ومن المحتم أن يواجه أكراد «الدولة الكردية» القادمة، حال إعلانها، ومنذ اللحظة الأولى لميلادها، أوضاعا غير التى تمتعوا بها طوال الحقبة التى أعقبت سقوط نظام الرئيس العراقى «صدام حسين»، وفى ظل الاحتلال الأمريكى للعراق، حيث عاشوا فترة ازدهار وتمكين غير مسبوقة، شاركوا خلالها، بقوة فى إدارة شئون البلاد، حيث احتل «جلال الطالبانى»، الزعيم الكردى، موقع رئاسة الدولة العراقية، وبسطت القيادات الكردية سيطرتها على قطاع كبير من مصادر النفط العراقى، هيأ لها إحداث طفرة اقتصادية غير مسبوقة، وساعدتها ظروف الحرب ضد «داعش» على دعم قدراتها العسكرية بدعم أمريكى وغربى مباشر، غير أن هذا الوضع لا يكفى لمواجهة حصار ثلاث دول مهمة محيطة أخرى: تركيا، وسوريا، وإيران، فضلًا عن الرفض المعلن من الأمم المتحدة، ومن كل الدول العربية.
ومن هنا يصح التخوف الذى عبّرت عنه «د. نيفين مسعد»، «الأهرام ٩ سبتمبر»، من أن «البرزانى قد يكتب بداية الدولة الكردية، لكنه بالقدر نفسه قد يكتب نهايتها»!.