جلال حمام
مصلحة المواطن.. قبل مصلحة الرئيس
قبل عشرين عامًا، كتب السيناريست المبدع، أسامة أنور عكاشة، يرحمه الله، فى مسلسله «زيزينيا»، على لسان خال بطل عمله الدرامى «بشر»، قوله لابن أخته، معاتبًا، «عندما شجعتك على دخول السياسة، لم أقصد أن تتآلف مع جماعات العمل السرى، أو تتضامن مع المتمردين.. كنت عاوزك تنضم لحزب، أو تخش البرلمان، لحماية مصالحك التجارية»!.. فهل اختلفت الصورة الآن، عما كان سائدًا وقتذاك، وعبّر عنه أسامة، فى أحداث مسلسل، ما زال يحظى بمشاهدة، عند إعادة عرضه، ومزيد من القراءة لمغزاه، رغم سنين طويلة مرت على إنتاجه؟.
الناظر إلى الساحة، الآن، يدرك أننا لم نفلح فى إقامة حياة سياسية بالمعنى الحقيقى، ولم نقم بممارسة برلمانية تتوخى الصالح العام، وتحقق مصالح الدولة المصرية، عندما تعبر عن هموم المواطن، وتبحث فى سبل وصوله لطموحاته، بل إن هذه الحياة وتلك الممارسة، انطلقت من رؤى ذاتية لأصحابها، توجهت لمصالحهم الخاصة، وتحقيق مكاسب شخصية، فى زمن، ربما لا يتوفر لبعض مقتنصيه مرة أخرى، وهو ما أدى إلى عدم وجود كيانات سياسية متماسكة أو كتل برلمانية حقيقية، تستطيع أن تقدم لبلدها نماذج بشرية، تكون قادرة على المساهمة فى مسيرة البلاد،. والنتيجة أننا بصدد هياكل كرتونية، لما يسميه البعض أحزابًا، وخيالات مآتة، لا تؤثر فى الشارع، ولا تلقى حجرًا فى مياه البحيرة الراكدة، على عكس ما فعل الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى امتلك من الشجاعة ما جعله يستجيب لنداء الشارع المصرى، ويتولى قيادة الأمة المصرية، بعد أن اختطفتها جماعة الإخوان، خالصة لها ولأتباعها، وسارعت إلى مفاصل الدولة، تفكك المترابط منها، لأن هذه المفاصل هى التى حافظت على التماسك المصرى، أعقاب يناير ٢٠١١، ولم تذهب مصر بعدها «فى الوباء» مثلما حدث لغيرها من الدول العربية الأخرى، كالعراق وسوريا وليبيا واليمن.
حدث ذلك، وقد توالت على سيناء فلول الإرهاب، من كل أصقاع الدنيا، وانفتحت أبوابها على كل أنواع الأسلحة، حتى الثقيلة منها، عتاد الجيوش، سعيًا، منذ أيام مرسى المخلوع، لتحويل هذه الأرض المباركة، التى تجلى فيها الرحمن، سبحانه وتعالى، وكلّم سيدنا موسى على أرضها، إلى إمارة إسلامية، تكون نواة لتفتيت الدولة المصرية، عمود الخيمة العربية، التى بسقوطها، يسقط ما بعدها.. وما زالت الحرب الضروس تدور على أرضها، بغية تطهيرها ممن دنسها، وحول الحياة فيها جحيما.. وما كان ذلك ليحدث، لولا جيش مصر القوى ورجاله البواسل، ولولا قائد يؤمن بأنه لا مساومة على وطن، ولا تفريط فى أرض، حتى ولو سقط منا الشهداء.. ففى النهاية، ينتصر الحق.
فإذا أضفنا إلى ذلك، إدراكنا أننا كنا بصدد اقتصاد تهاوى على مدى سنوات عجاف، سيطرت فيه قلة طامعة على مقدرات دولة بأكملها، وتعليم احتل آخر الصفوف بين دول العالم، خرّج أجيالًا، هى والعدم سواءٌ، غير قادرة على العطاء المتميز فى أى مهنة أو حرفة، وحياة ثقافية جفت منابعها، وفقدان المجتمع المصرى هويته الثقافية التى صدّرها إلى العالم العربى، فتربى أبناؤه على منتجها الثقافى والفنى، ما جعل مصر رائدة فى منطقتها، قبل أن يهتز هذا الدور وتغيم صورته، ثم يتلاشى فى الفضاء، كأن لم يغن بالأمس.. وغيره كثير.. إذا جمعنا كل ذلك فى بوتقة واحدة، ثم نظرنا إليه بموضوعية.. بعدها يمكن أن نسأل أنفسنا: ماذا نريد فى قادم الأيام؟.
بعيدًا عن أصحاب المصالح التى لا تعود بنفعها إلا عليهم، أولئك الذين يريدون عودة العجلة إلى الوراء، يحاولون كبح دورانها الذى انطلق أعقاب ثورة ٣٠ يونيو، فإن لم يستطيعوا تغيير اتجاه دورانها، فعل الأقل إيقافها.. بعيدًا عن هؤلاء، فإن أمة بأسرها، فى انتظار ثمار ثورتها، وصبرها على ما بدأه الرئيس السيسى، من إصلاح اقتصادى، حوّل كل بقعة من أرض المحروسة إلى ورشة عمل، أتاحت تشغيل مئات الآلاف من أبناء هذا الوطن، وفرشت الأرض بشبكة من طرق، تضارع مثيلاتها فى أوروبا ودول الخليج حديثة العهد بالنهضة، وحقق كرامة إنسانية لمواطن اعتاد النوم بين الأموات فى المقابر، أو داخل عشوائيات، يتهدده خطر الموت فى كل لحظة، ومزارع سمكية، تؤتى أُكلها بإذن ربها، وبسواعد الشباب المصرى، الذى راح، مع قواته المسلحة وشركات القطاع الخاص ومؤسسات الدولة، يستصلح الأرض الرملية، يحولها إلى بقع خضراء، تكفينا، فى يوم قريب، مؤونة استيراد القمح من الخارج.. وكثير وكثير. الذين يجرونا إلى الخلف، لم يعطلوا مسيرة مصر الخارجية، وانفتاحها على العالم، الذى ينظر إليها الآن، بكثير من الاحترام والتقدير لمواقفها المستقلة، وانحيازها لقضايا الحق وحرية الشعوب فى تقرير مصيرها، ومساهمتها فى استقلال الشعوب المغلوبة على أمرها..نعة، ضد من يفكر فى محاصرتها أو الضغط عليها. علينا أن ننظر إلى كل ما سبق، بموضوعية كما قلت، لنحدد مواضع أقدامنا فى الغد، إذا كنا نريد تثبيت أركان دولتنا المصرية، لأن رئيس مصر، الآن، هو من ينبغى أن يُكمل ما بدأه، حتى ينعم المواطن بثمار ثورته وصبره، ووقوفه ظهيرًا صلبًا وراء من أراد بناء مصر الحديثة، لأننا نعيد بناء دولة كانت قد تهاوت.. فهل ننتبه إلى من يحفرون لنا حفرة، ثم يغطونها بالورود، ويطلبون منا السير فوق هذه الورود، حتى نقع فى حفرة شرورهم؟.. أثق فى ذكاء المواطن المصرى.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.