المصريون
جمال سلطان
مكافحة الإرهاب ليست مبررا للقمع وإهدار حقوق الإنسان
في جميع سفراته في الخارج والمؤتمرات الدولية المهمة يجهد الرئيس السيسي نفسه لكي يقنع العالم بأنه يحارب الإرهاب ، وأنه يضحي في حربه للإرهاب نيابة عن العالم ، وكلما حاصرته الأسئلة عن إهدار حقوق الإنسان في بلاده واتساع نطاق القمع للمجتمع المدني والإعلام والقوى المعارضة ، تحدث عن خطورة الإرهاب بما يفهم منه أنه يطلب التسامح معه في هذه الاستباحة لأنها "ثمن" طبيعي للمعركة ضد الإرهاب ، وهذا ما قاله في الأمم المتحدة مؤخرا أيضا ، وجاءه الرد ـ بشكل غير مباشر ـ من رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في كلمتها التي قالتها في الأمم المتحدة والتي جاء فيها نصا : "علينا الاحتراس ممن يستغلون مكافحة الإرهاب كغطاء للقمع وانتهاك حقوق الإنسان" ، وهذه العبارة تحديدا اختارتها وزارة الخارجية البريطانية لكي تنشرها على موقعها الرسمي في صفحات التواصل الاجتماعي ، تويتر وفيسبوك ، تأكيدا على أهميتها في تقدير السياسة الخارجية البريطانية .
وفي الوقت نفسه تتوالى الإدانات الدولية لملف مصر في مجال حقوق الإنسان ، وتتزايد الانتقادات للتوسع في انتهاك تلك الحقوق وغياب العدالة واستباحة كرامة الإنسان وخنق الإعلام ومحاصرة المجتمع المدني ، حدث ذلك من منظمات دولية مرموقة مثل هيومن رايتس ووتش ، وحدث من منظمات معتمدة في الأمم المتحدة نفسها ، وحدث ذلك في تقرير الخارجية الأمريكية الأخير ، وحدث ذلك في تصريحات قيادات دولية عديدة ، مثل المستشارة الألمانية ميركل التي قالت أمس أنها مدركة لحجم الانتهاكات التي تحدث في مصر وأنها تعمل على التواصل مع السلطات المصرية للتقليل منها على الأقل ، وبدا من كلامها مستوى من "القرف" مما يحدث ، لكنها استدركت بأن مصر دولة مهمة وكبيرة ولا يمكن مقاطعتها أو رفض الحوار معها ، وإنما بذل الجهد من أجل تقليل تلك المشكلة على الأقل .
يغرد السيسي خارج سرب العالم إذن ، ويستخدم خطابا عفا عليه الزمن ، ويشرح في المشروح ، ولا يدرك أن العالم درس قصة الإرهاب طويلا خلال عشرين عاما مضت ، ويعرف كيف يتولد ومن أين يتولد ومن هي النظم والحكومات التي تتسبب في نشر هذا المستوى من الكراهية والغضب والرغبة في التدمير والعداء للعالم كله ، هم يدركون ذلك ، ويدركون أن المسار الذي تمضي فيه مصر حاليا هو نفسه المسار النموذجي لتوليد الإرهاب وتفعيله وتوسيع نطاقه ، إنه مناخ القمع وإهدار الحريات العامة وحصار الإعلام والتوسع في الاعتقالات والسجون واستسهال استخدام التعذيب على نطاق واسع وبصورة منهجية ، هذه هي الأجواء التي توجد "مستنقع" نموذجي تتكاثر فيه خلايا الإرهاب بصورة يستحيل السيطرة عليها .
تيريزا ماي قالتها بوضوح ، إن مكافحة الإرهاب لا يصح أن تستخدم غطاء للقمع أو ذريعة لكي تهدر بعض الحكومات حقوق الإنسان ، هذه العبارة حاسمة وواضحة بما يكفي ، لا تحاول أن تستغفل العالم ، ولا تتصور أنك يمكن أن تبيع لهم "الوهم" من أجل أن يتغافلوا عن السياسات العنيفة التي تجري في البلاد وتهدد بميلاد أجيال يملؤها الغضب والكراهية والرغبة في الثأر والانتقام ، هذه سياسات قصيرة النفس والنظر ، ولا تساعد على صناعة السلام ولا تأمين المستقبل ، هي فقط تفتح الأبواب أمام توقع الخطر المحدق والنماذج الأكثر وحشية من داعش والقاعدة .
السيسي كان محقا في أنه يخوض معركة العالم ضد الإرهاب ، ولكن عليه أن يدرك أن العالم أيضا يخوض نفس المعركة ، ولن يسمح لأي طرف بأن يفسد خطط إجهاض الإرهاب وتجفيف منابعه ، فالعالم هنا لا يتعامل بمحض "القيم" ، وإنما بمحض "المصالح" ، لأنه مدرك أن هذه السياسات القمعية المروعة في الشرق الأوسط هي التي أوصلت الإرهاب إلى قلب لندن وباريس وبروكسل وبرشلونه ، وبالتالي ، فالعالم معني ـ من حيث المصلحة قبل أي شيء ـ بمراقبة وتصويب تلك السياسات لحماية البشرية من موجات أخرى للإرهاب ربما تكون أكثر دموية ورعبا .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف