الوفد
علاء عريبى
رؤى .. الرجل النجفة
اتصل بى أحد الأصدقاء يهنئني بعيد ميلادى، فقد أتممت أمس، بحول الله وفضله، عامى الـ 58 بالتقويم الميلادي، والـ 59 بالتقويم الهجري، قال:
ــ هانت كلها كم سنة وتدخل مرحلة الرجل النجفة
ــ نجفة؟
ـــ أه، هى المرحلة الأخيرة أو قبل الأخيرة من العمر، أهم علاماتها أن يقال لك: منور يا حاج
ـــ بسمعها من زمان
ــ لا، في مرحلة النجفة نجلس بين أفراد الأسرة والأقارب دون أن يوجه لنا الكلام، سوى: منور يا عمو، أو منور يا جدو، أو منور يا حاج، تعقد الجلسات وتفض دون ان يسمعك أو يلتفت إليك احد.
ــ تقصد بركة
ـــ مرحلة البركة هى مرحلتك الأخيرة التى تسبق الموت، تصبح فيها مثل قطعة الأثاث، كما مهملا، الجميع ينتظر موتك
فى شبابي انشغلت كثيرا بإحساس من تجاوز الستين من عمره بسنوات، هل يشعر أنه أصبح عجوزا؟، كنت أطرح السؤال بصياغات غير مباشرة على بعض من اعرفهم من كبار السن، وأذكر أننى طرحته فى منتصف الثمانينات، وكنت فى العشرينات من عمرى، على والد احد الأصدقاء بشكل مباشر، كان قد بلغ السبعين من عمره، قال: لا أشعر أننى عجوز سوى عندما أصاب بمرض، أو عندما اشعر بأنني عاجز عن القيام ببعض الأشياء.
الزمن يأكل كل شىء حتى الذاكرة، يترك بصماته على أشكالنا الخارجية، وقد ينحتها فى أجسادنا، فقد نفد رصيدنا من القوة، ننحنى، ونشعر بآلام فى المفاصل، ويضعف نظرنا، ويثقل سمعنا، ونتعثر عند القيام من مقاعدنا، ونمسك فى الدرابزين عند نزول أو صعود السلم، ونخشى عبور الطريق.
يقال إن الرجل يكتئب عندما يتقاعد عند بلوغه الستين من عمره، يدرك انه لم يعد له قيمة ولا فائدة، وأن وجوده أصبح مثل عدمه، أولاده يدركون مع الأيام كبره، وضعفه، وعجزه، وقلة دخله المادي، المبلغ الذي يتقاضاه كمعاش بعد أكثر من 30 سنة خدمة، لا يكفى العيش الحاف، بعض الأولاد ينصرفون عنه، وقد يتجاوز البعض فى حقه، ويصمت ويتمنى الموت.
ـــ قلت لصديقي: نجفة نجفة بس ربنا يغفر لنا
صديقى تجاوز الـ 67، ودخل حسب كلامه مرحلة النجفة، يشتكى من المفاصل، وضعف النظر والسمع، وارتفاع الأسعار، وقلة معاشه، ويشعر بالملل من تكرار الأشياء والحكايات، ومع كل هذا يسخر من كل شىء، ويضحك على أى شىء، لصديقي مقولة محفورة فى ذهنى، سمعتها منه بعد أن تقاعد بعدة أشهر، قال: بعد 34 سنة خدمة طلعت بألف جنيه معاش، وبخمس ست حكايات هى كل تاريخي الوظيفي، هحكيها فى القعدات، وأتذكر بعضها إذا هاتفنى أحد الزملاء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف