محمود عطية
من باب العتب - نظرية «الدفع قبل الركن أحيانا»
»الشارع مفلوت والناصح يجري فيه ويفوت» هي أيضا إحدي نظريات بلطجية الشارع ، وبناء علي تلك النظرية مخخ ودبر الأخ البلطجي حين وجد الرصيف بلا »رابط ولا زابط» فسارع بمقاهيه واستولي علي الرصيف ورص كراسيه عليه وتم طرد المشاة إلي نهر الطريق، وكان بلطجية الباعة الجائلين قد استولوا منذ زمن علي أجزاء من الرصيف وربوا زبونا وباتت بضائعهم علي رداءتها مقصدا للعديد من الزبائن خاصة بعد تعويم الجنيه ومسارعة كبار التجار لشعللة الأسعار.
وحسب نظرية »الرصيف السايب يعلم السرقة» امتد نشاط البلطجي إلي ما تحت الرصيف، وجند بلطجية صغارا تحت التمرين تحت اسم »السايس»، ومهمة هذا البلطجي السايس مهمة فريدة ربما لا تجد لها نظيرا في بلاد العالم، وهي فرض إتاوات علي السيارات التي تركن بجانب الرصيف دون أي خدمة يقدمها للسيارة!.
وبنظرية ».. ما لقتش حد يردني» أحس البلطجي بأن الرصيف ملكيته الخاصة، فحدد تعريفه للركن تبدأ بجنيه أو جنيهين ثم أعطي لنفسه حق زيادة التعريفة إلي خمسة جنيهات، وبعد تعويم الجنيه رفعها إلي عشرة جنيهات، ويا ويل من يفاصل فلن يجد من ينقذه من بلطجي الرصيف وما يمكن ان يفعله بسيارتك.
ويحكي ان أحدهم اعترض علي دفع العشرة جنيهات حيث رأي في ذلك مبالغة مقيتة، وعليه زغر البلطجي له قائلا: »ادفع وبعدين ما تركنش تاني هنا».. لم يعجب صاحب السيارة بطريقة حديث السايس معه.. فرد قائلا: الرصيف ملك للجميع ونحن ندفع ضرائب وندفع للمرور لرخص السيارة سنويا ».. لم يستوعب السايس ما يقوله صاحب السيارة وظن انه يشتمه فقال بصوت جهوري يملأ الفضاء من حوله:»حتدفع يعني حتدفع.. وورينا عرض كتافك».
لم يمر علي الحديث ثوان حتي اتلم المارة لمتابعة المشهد، وبدأ البعض يدلي باقتراحات لحل النزاع القائم ما بين البلطجي وصاحب السيارة من عينة »ياعم اديله العشرة جنيه واشتري نفسك»..» العملية ما تستهلش ونقرب المسافات كفاية خمسة جنيه».. »ياعم دول اشتروا الرصيف ادفع وخلاص».. وفي صوت خفيض قال احدهم : »دول مولسين مع بعض ضعاف النفوس من الأمناء».. وتحول المشهد العبثي إلي ما يمكن تسميته مسرح الشارع.. فأسرع آخرون في تشغيل كاميرات الموبايل لتصوير المشهد ورفعه سريعا علي مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشهد عملية ركن السيارات مواسم ذروة في بعض المناسبات كالأفراح ومعارض الكتاب ومسارح الصيف وتبلغ ذروتها خلال شهر رمضان خاصة في الأحياء الشعبية القديمة مثل السيدة أو الحسين حيث يحلو السهر حتي السحور ومطلع الفجر، فتمتلئ تلك الاحياء بالسيارات حتي تشعر بأنه لا مكان لسيارتك وحين تيأس من إيجاد ركنة يظهر سايس يشير بكفه لأسفل لصاحب السيارة فيفهم سريعا انه يوفر له ركنة، وفي لمح البصر تجد السايس يحرك سيارة واقفة للوراء، فيظهر مكان تركن فيه السيارة الحائرة وهنا يطلب السايس خمسة وعشرين جنيها أو يزيد مقدما نظير توفير ركنة للسيارة وذلك بنظرية »الدفع قبل الركن» التي ابتدعها نتيجة الموسم الرمضاني.. وبالطبع لا يملك صاحب السيارة سوي الإذعان.. وتصبح النظرية واقعا جديدا علينا ابتلاعه في صمت وأسي.